حكاية الراهب البوذي مع مسلمة الشريعة
نشر في 24 يناير 2020 وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .
كان عمري ستة عشر سنة و كان قد قرر والدي رحمه الله أثناء عطلتنا في الجزائر أن نزور جبل الشريعة في ولاية البليدة و هي ولاية مجاورة لولاية العاصمة، كنت سعيدة بزيارة جبل الشريعة الذي هو نسخة عن جبال سويسرا في ثروته الغابية و بيوته الشتوية. صعدنا إلي قمة الجبل عبر المصعد المسحوب آليا، في المحطة السفلية، تركنا سيارة أبي في موقف السيارات.
لحظة ما صعدت السلم المؤدي إلي المحطة، شيئا ما تمتم لي بالإستدارة فلمحت قطعة قماش برتقالية إختفت بسرعة. لم ابالي و أتبعت والدي الكريمن، تسلمت من أبي رحمه الله تذكرتي...
لم ننتظر كثيرا و جاءت مركبة المصعد الدائرية لنتقدم مع ركاب آخرون و تبعتنا سريعا مركبتنا أخري و لأول مرة إنتبهت إلي صعود فيها راكب كان راهب بوذي بلباسه البرتقالي و كان صحبة فتاة من الهند علمت ذلك من لباسها.
إندهشت فهذه أول مرة أري فيها راهب بوذي في بلدي ثم إنصرفت لرؤية المناظر الطبيعية الخلابة التي كانت تحف بنا من كل جانب إلا أنني إستشعرت شيء ما غير طبيعي، فنظرت خلفي لأكتشف أن الراهب البوذي في المركبة التي كانت تتبعنا كان مسمر عيناه علي.
إضطربت في البدء، لكنني سريعا إهتممت بسرد والدي رحمه الله للأماكن التي كنا نمر بها في صعودنا. و نسيت الأمر عند وصولنا، نزلنا و بدأنا نزهة طويلة أخذتنا من قلب القرية الشتوية إلي شوارع متفرعة بين غابات كثيفة تتخللها اشعة شمس دافئة.
و فجأة كعادتي إبتعدت عن أسرتي و كنت اسير لوحدي فإذا من الجهة الأخري كان الراهب آت رفقة تلك الفتاة الهندية.
كلما كان يتقدم نحوي، كنت أتأكد من أن الراهب كان ينظر لي و كأنه يعرفني، شعرت بغيظ عجيب "ما به هذا الشخص مع هذه الفتاة الهندية ؟ لماذا يتبعا خطواتي ؟"
و قمت بترك الطريق لأقطع عبر الغابة كي ألتحق بعائلتي الكريمة.
و اكملت نزهتي هذه المرة مع والدي رحمه الله. مرة اخري ظهر لنا حيث لم نكن نتوقع الراهب البوذي و لم ينتبه إليه والدي الكريم لأنه لم يلاحظ أصلا تحركاته من قبل.
حينها كدت اخاطبه مباشرة "لماذا تتبعني سيدي ؟"
لكن لم تنطقا شفتاي بل إبتسمت لي مرافقته بينما ملامحه كانت واجمة كأنني شبح ظهر له و مرا بنا في هدوء تام.
فتمنيت أن نختصر هذه الرحلة لنغادر الشريعة. و بالفعل تناولنا وجبة الغداء في مطعم القرية ثم غادرنا و عدنا إلي المصعد الآلي، لحظة ما دخلته، كدت اصرخ فالراهب البوذي سبقنا إلي داخله...
طوال الرحلة إلي الأسفل تجنبت الرؤية في إتجاهه و لم أتنفس الصعداء إلا بعد ما خرجت سيارتنا من موقف المحطة و تعمدت غلق عيناي لئلا أري الشبح الرتقالي.
و هكذا تنتهي حكاية اللغز...
بقلم عفاف عنيبة
www.natharatmouchrika.net
-
نظرات مشرقةروائية و قاصة باللغة الفرنسية مناضلة حقوق إنسان باحثة و مفكرة حرة