"مقهى الوجود والعدم"
سخرية الثمالة(الجزء الأول)
نشر في 19 مارس 2019 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
لم تشرق الشمس هذا اليوم وبدى أن أحدهم يطبخ شيئا في السماء فقد إكتسب غطائها لونا ناريا متفحما في بعض الأنحاء وانطلقت رائحة غريبة في الأرجاء تشبه رائحة العفن أو الموت..مزيج من كليهما.
كل شي كان سيكون بخير لو لم أستيقظ هذا الصباح وغطى جسدي كفن من القماش الأبيض و انطفأت حياتي و اختفى الكون.
لكن لا،لن يقتلني كل هذا ولن تقتلني سعات النوم الطويل ولا حتى الشراب أو السيارات في الشارع أو اللصوص الذين لا يجدون معي أي شيء في كل مرة يجردوني من ثيابي ويعنفوني.
سيقتلني صوت روحي التي تنظر إلي ّبصمت و سأتحول إلى سكير ينزلق من بين يدي الوجود كل مرة أثمل فيها.
كان كل شيء سيكون بخير لو إستطعت ارتداء ثيابي هذا الصباح لكن لا القميص أراد العبور من رأسي ولا الثوب بدى مريحا على جسدي شعرت بكل شيء يصير ضيقا أكثر حتى إختنقت وغرقت في بكائي.
يمر يوم كامل دون أن أنسى وأسمع صوت الليل يتنفس في الأزقة.
يزعحني صوت تنفسه القادم من أجساد السكارى والشحاتين المتوزعين على الشوارع
وأشتم نفس الرائحة التي إشتتمتها صباحا لكن هذه المرة لا شيء يتم طبخه غير الأرواح التي تم نقعها في الشراب والأجساد المهترئة بالقاذورات التي تحللت في ملح دموعها.
إنها الرائحة التي يحبها الموت ويبحث عنها،أتتبعها حتى
،النهاية
أنزلق في الأزقة كشخصية روائية تتمرد على كاتبها مختفية في ضلال الصفحات التي لم يستطع إكمال كتابتها.
منسكبا كالحبر يمتصني الليل حتى أصل إلى مقهى من النوع الغريب،لم يكن يحمل إسما في الواقع كانت هناك حجر من الرخام القديم حفرت عليه
"نحن السابقون وأنتم اللاحقون"
تتبعت فضولي وخضعت لغريزتي نحو باب المقهى:
الأضواء هنا خافتة، يحتشد الموت في زجاجات مرصفة خلف النادل،
تختفي الرؤوس وتحلق مع الدخان تحت سقف واحد،
برأس فارغ يحدق الجميع بالكأس التي أمامه
و فور جلوسي ،تتعانق غيوم كئيبة من السجائر المستهلكة و تطفو فوق رأسي مخففة عني حدة الضوء القادم من السماء.
للسماء طابع غليظ وسميك على صدري وهو شعور لا يمكنني وصفه هو فقط يشبه الطبقة الكثيفة من التراب التي ننثرها على الميت في حفرته حتى نغطيه،يشبه الأمر انقطاع الهواء عنك لأن التراب سيدخل صدرك.
لكن جميعا نعلم أن الجثث لا تحتاج الهواء بعد الآن.... هي لن تتحرك أبدا حتى لو إستيقظت.
يسألني النادل ماذا أريد فأجيب مترددا كأسا كالتي يشربها الجميع.
لم يتردد هو أبدا ذهب وعاد مسرعا بكأس فارغة،ماذا تراني أفعل بهذا الكأس هل هي خدعة أم أنني غير قادر على رؤية الشراب داخله؟
الكأس فارغة هذا مؤكد...فارغة تماما مثل الجميع
و يديا ترتجفان بلا أي سبب،
رأيت الكثير من الأشياء الغريبة ولكن هذا أغربها ولم أرد أن أحرج نفسي مع النادل ثم شعرت فجأة برغبة كبيرة بالبكاء.
وفي حركة عبثية مني أسقطت الكأس الفارغة، لم تنكسر بل
وقع رأسي بين الغيوم......تهشمت عيناي.... إنكسر بياضهما إلى قطع زجاحية صغيرة... انزلق جسدي في لعابي وانسحب لساني مع الوقت وتبع ذلك صوت تحطم وسحق قوي مثل تحطم العظام يوم الحشر.
وحين حاولت بسرعة إمساك الكأس وكأنا بيننا رابطة لازلت لا أفهمها .
سقط رأسي من السماء وعاد إلى مكانه وظهر أمامي ثلاثة رجال تختفي وجوهمم خلف أقنعة غازية ولا تظهر أجسادهم.
بدى أنني ثمل حقا لكني لم أثمل أبدا ليس بعد،
وبدى أن الكون سكير واتضح لي فجأة بأني كائن بلا روح وعدم يرقد أعلى موجة نوح.
لكني بدوت أثقل من أن يحمل الطوفان جثتي والمركب لا يتسع لألمي ولا يوجد من وحدتي عدد زوجي
وهذه الأقنعة...هذه الوجوه تحدق بي... والنادل أمامي يتحدث ولا أسمع سوى صوت الهمس.
يتبع