ليالي بيوريا - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

ليالي بيوريا

  نشر في 28 ماي 2023 .

كم كانت جميلة تلك الأيام التي قضاها صاحبنا في أيام الدراسة الجامعية بجامعة السوثرن بمدينة باتون روج عاصمة ولاية لويزيانا الأمريكية والتي تقع على ضفاف نهر المسيسيبي الحالم. وكان من لطف الله بصاحبنا وهدايته له أن منّ الله عليه بصحبة طيبة من أبناء فلسطين المحتلة واليمن السعيد ومن بعض أبناء دول الخليج أهل الكرم والجود، ولكن بالرغم من ذلك كله فإن صاحبنا كان يقابلهم جميعاً بالصد عندما كانوا ينصحونه بالصلاة وكان دائماً ما يقول لهم: (إن قلبي خاوٍ ولايوجد فيه ذرة إيمان تجعلني أصلي، وإن صليت فسوف أصلي مجاملة لكم ولن تكون صلاتي خالصة لوجه الله). وكان من أكثر أولئك الأصدقاء الذين حاولوا هدايته صديقه المقرب إليه ياسين بانافع اليمني والذي كان يقول لصاحبنا دائماً بعد أن ينتهي الحوار بينهما حول الصلاة بالصد من قبل صاحبنا، كان يقول له: (والله يا زول إنت أغرب إنسان رأيته في حياتي، لم يَبْتَلِك الله بالنساء ولا بالخمر والمخدرات كما ابتلى بعضاً من الطلاب المسلمين ببلاد العم سام، ولكن بالرغم من ذلك لا تريد أن تصلي).

ثم تعاقبت الأيام والسنوات وتخرج صاحبنا من الجامعة في مايو ١٩٩٧م وكان قد تحصل على ثلاث وظائف قبل التخرج في زمنٍ عزَّ فيه إيجاد وظيفة واحدة وكان ذلك لسوء الحالة الاقتصادية آنذاك بأمريكا، كان صاحبنا يعشق الهندسة الإنشائية وهي قسم من أقسام الهندسة المدنية تختص بتصميم المباني والجسور وهي أصعب أقسام الهندسة المدنية لأنك تحتاج أن تكون قوياً في مادة الرياضيات التي كان صاحبنا يعشقها منذ الطفولة. هذه الثلاث وظائف كانت كالآتي:

• مهندس جسور بوزارة النقل بمدينة ريتشموند عاصمة ولاية فرجينيا.

• مهندس جسور بوزارة النقل بمدينة باتن روج عاصمة ولاية لويزيانا التي درس فيها صاحبنا المرحلة الجامعية.

• مهندس طرق بمدينة كانساس سيتي بولاية ميزوري.

فاختار صاحبنا من هذه الوظائف أن يكون مهندس طرق بولاية ميزوري وكانت هذه الوظيفة خلاف رغبته الأكيدة في هندسة الجسور (الهندسة الإنشائية) وكان اختياره لهذه الوظيفة نسبة لأن مرتبها كان أكبر من بقية الوظائف في ولايتي فرجينيا ولويزيانا، لم يستمتع صاحبنا بهذه الوظيفة منذ الْيَوْمَ الأول ولكن المولى عز وجل يقول:

(وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ...)

حيث كان هنالك بمدينة كانساس سيتي بولاية ميزوري وفِي إحدى أيّام شهر فبراير من عام ١٩٩٨م موعد لصاحبنا مع الالتزام الديني وبداية أداء الصلاة حيث إنه لم يكن يصلي طوال فترة دراسته الجامعية بأمريكا، بل وكانت لديه بعض الأفكار الكفرية.

لم يكن لدى صاحبنا أصدقاء كثيرون بمدينة كانساس سيتي بولاية ميزوري التي كان قد بدأ بها العمل فكان في كل أسبوعين يسافر لمدينة بيوريا بولاية إلينوي المجاورة سائقاً سيارته ولمدة ٦ ساعات ليستمتع بإجازة نهاية الأسبوع مع بعض أصدقائه الذين كانوا يحضّرون الدراسات العليا في الهندسة في تلك المدينة ولقد كان صاحبنا قد درس معهم في عام ١٩٩٢م ولمدة شهرين فقط في جامعة الخرطوم في كلية الرياضيات. كان صاحبنا يقضي مع أصدقائه إجازة نهاية الأسبوع في الملاهي والمراقص الليلية منذ أن تغرب الشمس إلى شروقها تقريباً من غير أداء للصلاة.

كان صاحبنا يسكن في مدينة كانساس سيتي مع صديقه السوداني عمر شرقاوي الذي هداه الله على يديه. كان عمر شرقاوي هذا يأسى لوضع صاحبنا الذي لم يكن يصلي أبداً، وكان دائماً ما ينصحه بالصلاة وكان صاحبنا ينزعج من نصائحه أيما انزعاج، حتى أنه في يوم من الأيام قال له: (إذا حدثتني مرة أخرى عن الصلاة سوف أترك لك البيت وأخرج وأسكن لوحدي في أي مكان آخر)، ولكن عمر شرقاوي حفظه الله لم ييأس لأنه توسم في صاحبنا الخير، وفي إحدى سفريات صاحبنا لمدينة بيوريا أعطى عمر شرقاوي لصاحبنا شريط كاسيت لمحاضرة بعنوان "إسلام، إيمان، إحسان" لأشهر أئمة أمريكا واسمه حمزة يوسف وهو أعجوبة من أعاجيب الدعوة في أمريكا بديناميكيته ونشاطه الدعوى. قال عمر شرقاوي لصاحبنا عندما أعطاه ذاك الشريط: (لا تحسب أن هذا الإمام عربي فهو يجيد التحدث باللغة العربية أفضل مني ومنك فهو أمريكي ولكنه عاش في موريتانيا لمدة سبع سنوات تعلم فيها اللغة العربية والفقه المالكي)، فقبلها منه صاحبنا وفي طريقه لمدينة بيوريا أصبح صاحبنا يستمع للأغاني كالعادة وبعد ساعتين من الاستماع للأغاني أحس صاحبنا بالملل من كثرة سماع الأغاني وبعد أن تجاوز مدينة كولومبيا بقليل وهو في الطريق السريع (I-70)، قرر صاحبنا الاستماع لتلك المحاضرة للإمام حمزة يوسف، ثم بعد قليل أصبح ينفجر بالبكاء وأصبح يتحسر على أيامه التي لم يكن يصلي فيها والليالي التي كان يقضيها بالملاهي الليلية، وأصبح يتساءل كيف أن هذا الإمام الذي لم يولد على الإسلام لديه كل هذا العلم وكل هذا النشاط الدعوي وهو ليس لديه أي نصيب من هذا الخير كله بل وإنه عاصٍ لله تعالى باستماعه للأغاني والتردد على الملاهي والمراقص الليلية. بالرغم من أن المسافة بين مدينتي كانساس سيتي بولاية ميزوري ومدينة بيوريا بولاية إلينوي هي ستة ساعات، إلا أن صاحبنا قطع تلك المسافة في ذلك اليوم في تسعة ساعات تقريباً وذلك لأنه كان يتوقف كثيراً للبكاء حسرة على حاله وعلى السنوات التي ضيعها في الملاهي والمراقص الليلية ولَم يكن يصلي طوال تلك السنوات.

في ذاك الْيَوْمَ عندما ذهب صاحبنا لمدينة بيوريا وعندما أتى موعد الذهاب للمراقص الليلية رفض صاحبنا الذهاب مع أصدقائه، بل طلب منهم جميعهم الذهاب للمسجد لأداء صلاة العشاء فأخذوا يضحكون ويستهزؤون به ولكنهم بعد أسابيع قليلة أيضا تَرَكُوا هم أنفسهم أيضاً الذهاب للمراقص الليلية وأصبحوا من رواد المساجد أيضا ولله الحمد.

فيا سبحان الله، بعد عناد دام لمدة خمس سنوات مع أصدقائه الطلاب المسلمين العرب بولاية لويزيانا، وبعد أن رفض وظيفتين في المجال الذي أحبه وهو مجال هندسة الإنشاءات، وبعد ضياع للأوقات بالملاهي الليلية بمدينة باتون روج أتى صاحبنا لمدينة كانساس سيتي طمعاً في الراتب الكبير وهو لا يدري أن الله سبحانه وتعالى ساقه للهداية سوقاً، فسبحانه القائل في محكم تنزيله: (وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَىٰ دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ).

م. حسن زمراوي محمد

شيكاغو - ولاية إلينوي

الولايات المتحدة الأمريكية

الثلاثاء ١٦ يوليو ٢٠١٩م

‏IbnZumrawi@gmail.com



   نشر في 28 ماي 2023 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا