كم بعدُ من الخرابْ الروُحي سيحدِثه فينا المُجتمع؟
نشر في 14 يوليوز 2018 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
أنا في أحد تلك الأيام التي يشعُر فيها المرء بالفقد، بالحنين، بالإحتياج الشديد، بالضياع، بالمعرفة تنهمرُ من جسدهِ كأسئلة، بالغُربة، بالوحدة، بالحُب، بالبُكاء، بالرغبة للركضِ نحوَ السماء، بالهرب، بالنوم لوقتٍ طويْل، بإحتساء القهوة برفقة صديْق، بالمشِي في غابة حتى يسقطُ بتعَب، بالصُراخ من أعلى الجبَل، بالعُزلة، بأن لاتنقلبُ عليهِ الأحلامْ كعدوْ. أنا في تلك الأيام التي يعودُ فيها المرء من إجتماع عائليْ ليقضي الوقتْ يستمع للموسيقى كأنهُ الوحيد على هذه الأرض.. ثمّ يرقُص، وحيدًا، ليتخفّف من كل الكلمات التي سمِعها. أنا مُتعَبة..
مُتعَبة من الشكاوي والإنتقادات التي تهطِلُ باستمرار، من الأمراض النفسية التي تنتشرُ كوباء، من المجتمع الذي يقسو فيه الناس على بعضهم البعض دون إكتراث، من أخبار الوفيّات، عمليات الإنتحار، القتل، الإعدام. أخافُ كل مرة أسمعُ فيها عن شيئًا مُوجعًا أن يموت قلبي تمامًا من كل هذهِ الأخبار، أخافُ أن أسمَع عن مُعنّفاتٍ ولا أكترث بما يحدُث لهنّ، أخافُ أن أرى شخصًا يتعذَب دون أن يُحدِث الخبرُ دمارًا في صدري. أنا مُتعبة، من كل هذا.. من الفراغ الذي ينهشُ أرواح البشر واحدًا تلو الآخر، من السلبية التي تطغى على العالَم ويحتفلون بمدى سوءِ كآبتهم كما لو أنّ هذا الحُزن إعتياديّ. أنا مُتعبة، من الأحاديث المتكررة بشكلٍ بليدٍ وتافه عن المشاهير، عن حياة أشخاص وضعوا كل مايحدثُ لهم علانية دون أن يُفكرو كم ضررًا سيحصدون، دون أن ينتبهو لما هو أهمُ من أحاديث الناس، خصوصياتهم، وحياتهم.. كيف هذا؟ ولمَا على المجتمع أن يتحدّث عن هؤلاء وكأنهم أشخاصًا مهمين؟ يترصدون أفعالهم، وأفكارهم.. بينما لا يُفكر أحدًا منهم بالإنتباه لحياته، لتطوير نفسِه، للعيْش!
أنا مُتعبة، لاضطراري سماع كل هذا، حتى لو اخترتُ عمدًا الرحيل عن هذه الأحاديث، تُلاحقني ككابوسٍ في كل مكان!
مُتعبة من محاولات الجميع إصلاح الآخرين، حتى رغبتي أن أُعلق لافتةً على عُنقي " بدلًا من محاولة إصلاح الآخرين، فليُصلح كلًا منّا نفسه!"
أنا في تلك الأيام التي يود فيها المرء، أن يعيش فحسْب. دون كل تلك التعقيدات، دون تلك المآسي، دون أن يشعُر أنّ لا مكانَ هُنا له، دون أن يتنفّس فراغًا مُهولًا يشعرُ بهِ في الشوارع، في الجامعة، في منزله، دون أن يشعُر أن قدميْه لا تلمِسُ الأرض من ثقلِها، دون أن يشعُر أنه يطفو في الفضاء. كبالونة، هربت من يدِ طفلٍ نحوَ السماء، ولم تعُد.. أخاف، أنّي بعد كل هذه الأيام، لن أعُود .
-
هند عبدالوهابفي بحثٍ دائـم عن الدهشَة*
التعليقات
تحياتي .