هل تظن أن علاقاتنا الطيبة ستدوم ،شعور اللقاء الفجائي الذي نلمسه في كل علاقاتنا، الجو الغريب، الذي يربكك يغمره شعور اللهفة و الأناقة، والخيال، سرني كثيرًا ،لقاء صديق لم يكن غير صديق، أعرفه عبر موقع الفيس بوك ، تواعدنا علي إحتساء فنجان قهوة سويا ذاك الصباح التالي، وأن القهوة ذلك المشروب الآسر لم يترك وإلا وضع بصمته فيه حتي التاريخ ،لا أعرف تفاصيل ذاك اليوم ، لكن التعارف هي رغبة مضينة وملحة تتفوق في بعض الأحيان، علي رغبتنا في الحياة ذاتها. ولكنني أعرف بأنه سيكون بإنتظاري  وأعلم انه سيأتي بتلك اللحظة المحددة بالمكان والدقائق ، لا أعرف كم سيدوم هذا اللقاء.

 ذاك الصباح التالي وصلت الي المقهي كان غاصاً بالوجوه ، والمقاعد يشغلها مجموعة من الرواد  تكشف ملامحهم عن مسحة تعاسة باهتة، كانت نظراته للباب بلمحي في دهشة وشك أني وصلت، إقتربت نحو منضدته،  بلمحات خاطفة علي وجهه، ملأت الدهشة ملامحي ، ورائحة القهوة تملأ  المكان من الداخل ،كان صديقي صباحه رماديٌ جميل ،تغرق فيه شمسه المنطفئة ، فعلاً صديق، قول وفعل ، و إن وعد وفى، والأجمل أنه دقيق المواعيد، وأيضاً دقيق في إختيار كلماته الثقيلة من اللغة الفصحي، وهو الذي قليلاً ما يتحدث، ولكن عندما يتحدث، بإيجاز، وفي الصميم. وحتي أكون منصفة ، كان يجلس إلي جانبه رفقاء دربه فنجان قهوة بحب الأمل وعلبة سجائره .

كان الدفئ يشيع البهجة بالمكان، وهدوء مثير في الوجوه العديدة والحركة الهادئة و أحاديث الهمس تلك الرهبة لم تخفي سعادتي راحت تعبر بالكلمات الخجلي ،وحديث مطول عن حياتنا الخاصة ،وصوت الموسيقي المتسلل في صدر القاعة التي تحيط بنا ، أشرنا سويا الي الجارسون لطلب فنجانين من القهوة.

المتعة هنا شيئان قهوة سآخنة، وصديق صباحه رقيق عفوي

وأشبع حاجتي إلي الإنطلاق والتعرف علي ملامح الحياة

لم يترك في نفسي سوي أثر الصداقة العابرة لأول شاب ألتقي به وأخرج معه.

حوارنا يستكمل بالهمس وإثارة الهدوء بين جموع الحاضرين

 وما بين تدرجات دروب الحياة وتعرجات الأفكار والأسئلة بداخل صديقي قال لي :هل دوومًا تجلسين بهذا المكان ، كان للمكان سحر وجداني وحدثني عن تلك الوحدة الصارمة، أنها نجاة من نفاق وأحاديث الناس ومن الممكن أن تعزلي نفسك عن الآخرين، كانت عيناه تكشف عن ذكاء بقدر ما فيها من جمال.

في ود شديد بينا إختلط بالترحيب،  لم يبدو لي غريبا أنني اخطأت في جلستي معه ،  سار بخاطري بالحديث إنتظار حضور آخر بعيدا عن عبارات المجاملة لم يتطرق للإجابة لم يكن صديقي مخطط يقضي وقتاً طويلاً، أبلغني بالإستعداد للتوجه إلي موعد آخر في الساعة الواحدة بعد الظهر كي يتسلم بعض الأوراق  .

 أسرعت الي الخارج، وتشاغلت كيف قطع الوقت ،حاولت التركيز بإنتظاره ، توجه عند المحاسب وطلب الحساب ،دفعه و من ثم حياه بإحترام وإقترب نحوي وخرجنا سوياً للخارج وودعدني بكلام مكنونه صادق وإستدار كلا منا للآخر سلكنا طريق مبعد بموعد  زمني أقصاه غير محدد.

نحن في عالم مغلق لا يحتويك ورأسك مشحوف بمخاوف المجهول ، لا سعادة غامرة تسري في كياننا تعميق الألفة بينا

وأينَ مَحطّاتنا القادِماتْ وهل يكونُ لنا بعدَ الطّوافِ لقاء، وما عاد في العمر  مُتسعٌ للخيالِ ورسمِ الصّورْ كَبُرنا ، وارتسم فوقَ هاماتنا ،فإلى أينَ نمضي ،إلي واحة نستريح ونخاصم الوداعات واللقاءات ،فَهيّا ً نُخاصمُ هذا السّفرْ،  محطات قطار الأصدقاء وداع مع إستقبال جديد.

ما يحصل بعد مقابلة آخري سرعان ما يتذمر كل منا ويترك إشباع لهاجس الرحيل الذي امتلأت جدران ذاته ، تلك العواطف التي تأكل  أعمارنا ربما نصنع سعادات مؤقتة ولكنها ليست كافية للتغلب علي وضع الحياة  أننا وصلنا لهدفنا المنشود مع شخص ضغط الكمالية قاتل.

نعجز بالرحيل واذ كان الرحيل سببًا دائماً لم يقتنع به وسعنا إلي إعاقته طويلا ولكن ربما ظروف حياتنا الصعبة وقسوة الفقر تدفعنا دائما إلي أن نفعل ما لا نرغبه و في النهاية مضطرين علي سفرنا مجيئنا إلي هنا ولكن بالضرورة سأعود في نفس اللحظة التي نشعر فيها بالحنين اليهم .

ولكن كتابة الرسائل والتواصل قد تخفف قليلًا من الشعور بالملل وتشبع الحنين وتحافظ علي عهد قطعنا علي أنفسنا بالمضي معا، ولكن الصورة الممزقة للنماذج المحيطة داخل مسكن عباءة الصداقة، تعليق عابر عنها لا تشغلهم مشاكل الحياة ، بقدر إنشغالهم بمشاكلهم الخاصة .

تكفي الصداقة الآن لتربط بين الرجل وإمرأة متحابان تمنحهما الإستقرار والسعادة. والاخفاق في الانطلاق والبحث عن شئ جديد نغير به بئر الركود في حياتنا والاستغراق في متعة ما وبالطبع علاقة الاصدقاء أمل في إستحضارهم في نفس اللحظة التي نشعر بالحنين اليهم .

 أحن لذاك المكان ،والوجه الصباحي الهادئ وفنجان القهوة أزداد شغفًا لمعرفة المزيد وتساءلت عن جدوى الرهبة للحنين

 أين ستمضي بنا الحياة بتحدياتها من جديد ،فالولادة في أي علاقة صداقة  تعطي مفهوم النور المتجدد الطاقة بالشروق ويبقى الظل ملهاة لأصحاب من يبادر بالتواصل.

ما أجمل لقاء الأصدقاء إنها لحظة ترسم أحداثها في لوحة ربيع العمر، تفرح القلوب، لحظة فيها من الوفاء ما يروي الأحاسيس. تتناثر فيها أجمل الكلمات وأرق التراحيب.