كَعَادتِهَا كُل يَومٍ عَانَقَت البَحَرَ وَ عَانقَهَا بِكُلِ مَوَدَة، بَللت مِيَاهَهُ المَالِحَة خُصَلاتِهَا الذهبِية وَ وَجههَا البَرِىء فَزَادَتهُ سِحرًا وَ جَمَالًا، وَ كثِيرًا مَا تفَاخَرَت بِعلَاقَتِهَا مَعَ البَحَرَ وَلكِنَهُ كَان يُهَدِدُهُا بأموَاجهُ العَالِيَه، وَ بِالرَغَمِ مِن ذَلِك أعطَاهَا مِنَ الأصدَاف وَ القوَاقِع مَا تَعتَبِرَهُ عَربُونًا لِهَذِه الصَدَاقَة.

تهَادَت عَلى رِمَالِ الشَاطِئ النَاعِمَة ثُم جَلسَت عَلى رُكبَتَيهَا لِيَتَسَاقَط مَا مَعهَا مِن الأصدَاف والقَوَاقِع التِى اهدَاهَا لَهَا صَدِيقهَا الكَبِير، تَحَسَسَت رِمَالَ الشَاطِئ النَاعِمَة بيَديهَا الصَغِيرَتين فقرَرَت أن تبنِى بَيتًا بَل قصرًا كَبِيرًا مِن هِبَة الشَاطِئ، بَدأت فِى بِنَاءِ القَصَر وَ كُل جِدَارٍ تَبنِى مَعَه أحَلَامَهَا التِى تتمَنَىٰ يَومًا أن تتحَقق.

ارتَفَع البِنَاء وَكَثُرَت الاحَلَام وَ أَصبَحَ القَصرَ آيَه فِى الجَمَال كَجَمَالِ آمَالِهَا وَأفكَارِهَا بَل أصَبَحَ كُل حَيَاتهَا وَ مُستَودَع أحلَامِها المُخمَلِيَة الرَقِيقَة،

ثُم غَلبَ النُعَاس جِفنَيهَا فَعَزَمَت عَلى أَن تَستَأمِن صَدِيقَهَا البَحَر عَلى كَنزِهَا الثَمِين فَهُو أهَلٌ لِتَحَمُل الأمَانَة.

وَ غَابَت الطِفلَة عَن الشَاطِئ كَمَا غَابَت الشَمسُ وَ غاصَت فى البَحَر، وَ مَعَ ظُهُور الشَمس مِن جَدِيد ظَهَرت الطِفلة بِكُلِ فَرَحٍ وَ انطِلَاق وَهِى تُسرِع الخُطَى وَ تَستعجِلُهَا نحَو قَصر أحلامِهَا الجمِيل مِثلَ زَهَرَةِ يُدَاعِبُهَا النَسِيم.

وَعِندمَا وَصَلَت لِمَكَانِ القَصَر حَيَّت البَحَرَ بِتَحِيتهَا لكِنَه نَفَضَ جَدائِلهَا فتَنَاثرَت خُصلَات شَعرهَا الذهَبِيَة عَلى وَجههَا الذِى تَلاشَت فَرحَتُهُ ثُم التَفتَت إلىٰ قصرِهَا فلم تَجِدَهُ بَل وَجَدَت رِمَالًا مُبَعثَرة وَأصدَافًا مُتنَاثِرَة فنَظرَت إليهِ فِى عِتَابٍ وَهُو يُزَمجِر فِى كِبريَاء ثُم سَقَطت دَمعَة مِن عَينَيهَا فإختَلطَت بِمُلوحَة البَحَر .

ثُم فَكرَت وَ فَكرَت وَ قَالت لِنَفسِهَا: لَيسَ كُل الكُسُور نِهَايَة فبَعضُهَا مَفَاتِيحٌ لِلحَيَاة، قَد نَتَحَمَل الألم سَاعَاتٍ وَ سَاعَات وَلكِن لَا نَرضَىٰ بِاليَأس لَحظة، فَلنَصنَعَ بِأيدِينَا فُرَصًا أكثَرُ مِن تِلكَ التِى ضَاعَت،

فالثِقَة بِاللّهِ أفَضَلُ عَمَلٍ وَ التَوَكُل عَليهِ أَجَمَلُ أمل....

الحيَاة جمِيلة بوجُودِ اللّٰه💖