نعم، كان عليّ أن أترك تلك الأرض الظالم أهلها.

قالوا أنني لم أدخل غرفة النوم تلك بعد رحيل زوجتي.

سمعت أطفالي يقولون ذلك لجدتهم التي زارتنا بعد حين.

في حقيقة الأمر لم ألاحظ ذلك، إلا أنني كنت أخاف. أخاف أن أترك الأولاد ينامون وحدهم من دوني، أو ربما كنتُ أخاف أن أنام من دونهم. أخاف، نعم ، سيطر عليّ الخوف منذ رحيلها، كنت أخاف أن أدخل تلك الغرفة وأشتم رائحة زوجتي المنتشرة بين التفاصيل، كنت أخشى أن تقع عيني على شيء يخصها، كلّي يخصّها، فأفقد رباطة جأشي.

كنت أخشى مواجهة نفسي على تلك المرآة الطويلة التي تتوسط خزانة ملابسها، وبماذا أجيب نفسي إن أصرّ كعادتي على طرح الأسئلة؟

هو أيضاً تغزوه الأسئلة مثلي، فماذا كنتُ سأجيبه وأنا لا أملك من الإجابات شيئاً؟

هل كنتُ دائماً على هذا النحو من الذهول والخوف؟

يقول أطفالي لجدّتهم بأنني بتّ أكلم نفسي كثيراً بعد خلودي للنوم. أخطأ أطفالي في هذا، فقد كنتُ، ومازلتُ، معتاداً على أن أقصّ لزوجتي كلّ يومياتي قبل النوم، وكنتُ أغرق حين هي تبدأ برواية يومياتها.

هل كنتُ اُفرغ جعبتي وأرتاح نائماً ؟ أم أن صوتها الدافء ذاك هو من كان يفعل معي فعل السحر فيطرحني نائماً بثوان؟

أشقياء هؤلاء الأطفال، وخيالهم واسع، فقد قالوا لجدتهم أنهم يسمعون همهمتي باكياً حين يخلدون للنوم.

وهل كان للنار صوت وهي تأكل بعضها؟

لم يكن بكاءاً يا أطفالي، فهذي تهويدة من أمكم لتطرد الأرق عن رأس والدكم المتعب.

مُتعبٌ أنا يا صغاري ومُنهك. لم أعتد على مواجهة الجياة وحدي، بل لم أعتد أن أكون وحدي، أنا من دونها وحدي ولو كانت كلّ الدنيا معي.

الأطفال الأشقياء وشوا لجدتهم بأنني لا آكل كثيراً، وكيف أقنعهم أنني كنت مشغولاً بأطعامك بيديّ طوال الوقت؟

عنفتني والدتي كثيراً وألحت عليّ أن أعتني بالصغار ولكن يا أمي، من لي أنا؟ من يعتني بي؟

قالت أمي أنها لا تفهمني، ومن غيرها يفهمني؟ ومن لي غيرها يصلني بمجتمعي الذي فقدت لغة التواصل معه بعدها؟

قالت أنه عليّ أن أتخلص من المنزل الذي يذكّرني بها كلّ حين، وماذا عن جسدي؟ عن روحي؟ عن داخلي وخارجي وكلّي؟

إنها تسكنني يا أمي فما أنا فاعل بنفسي لأرتاح كما تقولين؟

لم يكن لها أن تذهب وتتركني، وكيف تركتني؟ لم يكن لها ذلك، لم يكن لها أبداً.