من وحي العاطفة .. لا الخيال
الجميع يحسد الكاتب على خياله الخصب، لكنهم لا يدركون أن هذا الخيال هو من وحي واقعه، أنه يكون أحياناً حملاً ثقيلاً يحمله بين أكتافه، يبوح به بكتمان .. تلك القصة التي ماتزال متربعة في عروش فؤاده .. تكون قصة عابرة بالنسبة للقراء، يتعاطفون معها حتى السطر الأخير.. وحدهم من مروا بتجربة مماثلة يقدسون تلك القصة ويعيدون قراءتها لمراتٍ كثيرة، كأنهم يستمدون طاقة النسيان منها.
نشر في 10 فبراير 2019 .
أحاول أن أكتب، أجد نفسي مشتتةً بين ذكرياتٍ عديدة؛ ذكريات وصور لا يمكن جمعها في كتابٍ واحد، يقولون أن على الكاتب أن يكتب ما يمر في خياله، فجودة الكتابة هي بجودة الخيال؛ لكننا لا يمكن للأسف أن نفصل عواطفنا أحياناً عن كتاباتنا، لأن الكتابة أحياناً تكون المتنفس الوحيد لنا.
تجدنا نكتب قصصنا ونجول فيها بتعمق، ونكتب أنها من وحي الخيال، لكن هل هي حقاً كذلك؟! أم أننا يفيضُ بنا الاشتياق تارةً وتعصفُ بنا الذكرياتُ تارةً آخرى، فلا نجد حجة لاستحضارها على أرض الواقع، سوى حجة خيال الكاتب.
كتاباتنا تشبهنا، تعبر عنا رغم أننا أحياناً نتهرب منها؛ كبرياء يجعلنا نكابر على اشتياقنا فنكتب عن الحب المستحيل؛ تماماً كما عندما نروي لأحدهم قصة تؤلمنا ونختمها بعبارة لكنني مع الوقت نسيت .. لو كنا نسينا حقاً لما جئنا على هذا الحديث بملئ إرادتنا، لكننا كما نحاول التخلص من عبء تلك القصص بالتحدث عنها، فإننا ككتاب نرويها على شكل خيال أبطاله مزيفون، ونزيدٌ عليه ما تمنيناه في السابق.
أحياناً هذه الكلمات التي قد لا يقرؤها أحد تساعدنا على تجاوز عبء ثقيل يجثم على قلوبنا؛ فلا تلومونا إن كنا قساة بعض الشيء في كتابة بعض النهايات الأليمة، لأننا مررنا بتلك التجربة وماتزال تؤلمنا، وطريقتنا الوحيدة في تجاوزها هي في قتلها على الورق.
كم من حبيب هجرته في قصة، وكم من شخصٍ كنت أضعف من أن تواجهه واجهته في خاطرة؛ عاتبته برسالةٍ من بطل القصة، قتلتهُ في صميمه بهجرانه في نثر .. وأحياناً في أغنية.
الجميع يحسد الكاتب على خياله الخصب، لكنهم لا يدركون أن هذا الخيال هو من وحي واقعه، أنه يكون أحياناً حملاً ثقيلاً يحمله بين أكتافه، يبوح به بكتمان .. تلك القصة التي ماتزال متربعة في عروش فؤاده .. تكون قصة عابرة بالنسبة للقراء، يتعاطفون معها حتى السطر الأخير.. وحدهم من مروا بتجربة مماثلة يقدسون تلك القصة ويعيدون قراءتها لمراتٍ كثيرة، كأنهم يستمدون طاقة النسيان منها.
ينحنون احتراماً لقوة البطل أو البطلة الذين استطاعوا في نهاية القصة أن يرحلوا، أو أن يقولوا مافي داخلهم، أو .. إلى آخره.، لكنهم مع ذلك لا يدركون أن النهاية الحقيقية كانت واحدة، وأن ختام القصة كان هو فقط من وحي الخيال الذي تمناه الكاتب تماماً مثلهم.
لهذا فإن الكاتب الناجح هو كاتب تعيس، لأن الجميع يعشقون قصصهم التي خطها من وحي خياله الذي هو في الحقيقة واقعه؛ يصفقون لجرأته التي لم يمتلكها في واقعه، وعندما يرحل تبقى نهايات قصصه معلقة في الذاكرة، لكن ما عصف به من حزن وخيبات وألم وتشتت .. يموت معه ويدفن معه في قبره.
هذه الكلمات التي أشعر بأن "الكيبورد" من خطها، كانت عبارة عن شتات، عن بداية قصة بعنوان "عتاب" لم أستطع تكملتها بسبب هذه الشتات، لكنني سأعمل عليها عندما يحين موعد النهاية، رغم أن تلك القصة لا تشبهني، لكنها تنتمي إلي، ربما دارت أحداثها بشكلٍ بعيدٍ كل البعد عما دار في قصتي الحقيقية، لكنها تبقى من وحي عاطفتي .. وأبقى بطلتها الحقيقية!
كل المحبة والتقدير لكل كاتب وكل قارئ يقدر معنى الكلمة!
التعليقات
ومع ذلك وبالرغم مما يعانيه الكاتب من عواطف ومشاعر حلوة تارة و آلام تارة اخرى ... .. لا يزال الجميع يحسده على خياله الخصب فهم لا يدركون كم حملاً ثقيلاً يحمله بين أكتافه، لا يقدر أن يبوح به الا بكتمان ...
حقا ريم ... انتى هذا الكاتب الناجح الذي يعشق قصصه القراء.. لانكى قد كتبتها من وحي خيالك الجميل والراقي لذلك تحتم علينا أن نصفق لجرأتك وابداعك في هذا المقال ... كل المحبة والتقدير لكل كاتب وكل قارئ .. و دمتى مبدعة متألقة... ريم