تكوّنت بعض القناعات من صخورٍ راسيات ، فاستقت من قسوتها وتشبثت بها ، لا تهزّها الضغوط ولا الرياح العاتيات ، قاسية في بنائها ، صلبة في جزئياته ، حادّة في أطرافها ، صلدةٌ لا خلال فيها ، لا تقبلُ منك شيئاً ولا تترك لك شيئاً ، إن واجهتها أُغلق عليك ، وإن حاورتها لم تسمع منها إلا رجع صداك ، لا تدري هل بُنيت على تقوى من الله ، أو استقت من عقول مهداة ، هل مَحّصت أساسها ، وأحسنت اختيارها ، واستوصت بِبُناتها ، فكانت صلابتها محكمة ، وقناعاتها صائبة موفقة ، أم هي ردّات فعل متراكمة ، حكت الواقع الذي عاشته ، والمصاعب التي نقشته ، هذا جزءٌ من واقعنا العربي ، نقابل أمثلته في شوارعنا ومنتدياتنا ، في فضائياتنا أو على قراطيسنا .
هُنا نلتفت عنه حفاضاً على وسطيتنا ، وعلى مسيرنا نحو الحقيقة المتجرّدة ، إلّا أنّنا نتواجه في أزقتنا المتناثرة ، بقناعات أُخرى بُنيت على ظهر موج ، تحركها الرياح فضلاً عن الأعاصير ، ليست لها قاعدة ، ولا معالم واضحة ، جذورها منعدمه ، ومبادؤها متميعه ، لا تعتمد عليها لرخاوتها ، ولا تستقي منها لتفرُقِها ، تتأثر ببيئتها في اللون والطعم والرائحة ، وتؤثّر فيها الدفُوع والخُلطة ، فهي تموج مع كل موجة ، وتنساق مع كل دَفعةٍ ودُفعة ، وتنحدر مع المسارات التي تُرسم لها ، فليس لك حوارُها ، ولا طايل من مواجهتها ، لأنّها في الحقيقة ليست مباديء ، بل سلعٌ تُباع وتُشترى ، وزنُها وقيمتها كزبدها ، خفّةً وتفرُقاً .
وبين ذاك وذاك تستمتع في فضاء بقناعاتٍ غنّاء ، راقية في شعاراتها ، سامية في مبادئها ، تُظهر لك الحُسْن فتصافحه ، تأخذ منك وتعطيك ، تجادلك وتصالحك ، راسية في أخلاقياتها ، ومُتوشحة عدالتها ، صادقة في طرحها ، تتلقف المعطي ، وتتفاعل مع الجواب لتحقيق الصواب ، لا يعيبُها نقص لأنّها تصارح ذاتها : " رأيي صواب يحتمل الخطأ ، ورأيُ غيري خطأ يحتمل الصواب " .
من هنا قلّب طرفك يمنة ويسرة ، سترى بوضوح الأول والثاني ، ستراهم في الثقافات ، والثورات ، والأحزاب والتجمعات ، ستراها في السياسة والحروب ، ستراها في الحبّ والكُرْه ، ستراها بين الشعارات وتولي المناصب بعد الانتخابات أو التعيينات ، ستراها حول الفقر الحياتي والغناء المفاجئ ، ستراها بوضوح لا ضبابية فيه ، لن تُجْهد نفسك في البحث عنها ، لأنّها يومياً على أرصفتنا الحياتية .
و لعلّك أيّها الفطن تبحث عن الثالث وستجده ، فضع يدك بيده ، وابنوا بينكم لغة التفاهم ، وسيروا ، اختلفوا ولا تتخاصموا ، بيّنوا ولا تتقاعسوا ، محّصوا المبادئ وثبتوها وحافظوا عليها ، وتفحصوا الثقافات وخذوا الحقّ منها ولا تعلوا ، فالحقّ ضالّة النَبِهُ الفهيم .
-
alhajlaكل حدثٍ له نَفَسٌ إيجابيّ ...