قال الحجر المنجذب إلى ثُقلة الطين :
أيها الظل ! ما بك تتمايل من فوقي عن يميني وشمالي لا قرار لك ؟!
ثم هدأت الريح الصاخبة للحظات كأنما كانت تعدوا بحوافرها آتيت من فضاء بعيد وعالم مجهول .
فقالت الريح :
إني أرى حجارة قاسية صماء لا ينفذ إليها الماء ، ولا تُنبت العشب ، ولا تقبل الحياة .
ثم أوجس في نفسه خيفة ذلك الحجر ، وبدأ يُرتب كلماته على حذر فقال :
معذرة ايتها الريح . فليست الحجارة صماء قاسية كما تزعمين ذلك .
قالت له من فورها :
وكيف يكون ذلك أيها الحجر ولكل شيء حقيقة وشاهد عليه ؟
عندها تبسم الحجر ، وانتفخ بالغرور وهو يتوهم النصر ، كأنما طاول الجبال طولاً فقال :
ألا ترين ايتها الريح أنني امتلك آلة الأذن وهي قنوات تنفذ من خلالها موجات الصوت لتتجاوز القشور الخارجية من طيني ، ثم تلج في أعماق قلبي !
وهل ترين هذا اللسان الناطق ! فإنما يستمد منك الهواء ثم يخرجه لغات وكلمات تُعبر عن مكنون الضمير ، وتضوع منه عبارات الحب والوداد . . .
وأما هذه العيون فإنها تعمل على تصوير العالم الظاهري ، ثم تعكسه صورة مترابطة على شاشة العقل ليتماهى لنا عالم الغيب والشهادة على سواء .
قالت له الريح مُغضبة:
ويحك أيها الحجر فإنك ظلوم جهول .
أين أنت من عالم الغيوب !!؟
فما أنت إلا قابع في حندس من ظلمات بعضها فوق بعض .
وكيف لك أن تخاطب (الظل) وتطلب منه الثبات لأن حركته كانت تزعجك وتعكر عليك صفوك !!؟
أين كانت عينك أيها المبصر الأعمى ؟؟
قال الحجر بعدما وقف لبُرهة يتأمل :
كيف أكون مبصر وأعمى في نفس الوقت ؟!
قالت الريح :
لو أنك رفعت رأسك إلى الأعلى لأبصرت الشجرة ، ولكنك نظرت إلى التراب فأبصرت الظل الذي هو أنعكاس تبصره بعينك الترابية.
ثم أزمعت الريح بالرحيل وهي تقول :
﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا﴾
قال الحجر :
مهلاً أناشدك السماء ايتها الريح فإني احس بوجودك تجوبين حولي ولا أراك . ولكن ثمة سؤال يعتلج في صدري أرجوك أخبريني ما هو عالم الأزل وما هي الروح ؟
ثم سمع الريح وهي تنصرف تقول له :
لن تعرف الأزل حتى تعرف الروح . ولن تعرف الروح حتى تعرف الموت .
"وداعاً ايها الحجر "
-
المسافريتألم الإنسان بالوهم اكثر مما يتألم بالحقيقة .