جَميعنا يحلمُ بالسفر .. نظنُ أنه الملاذ لكل مشاكلنا .. نتيقن أننا سنصبحُ أُناساً آخرين إذا سافرنا .. وأن السعادة ستصبح السمة الدائمة لأيامنا ..وأنه لابأس إذا غادرنا الأهل والأصدقاء ..وأننا سنتغلبُ عما يُدعى الغربة ..
بدأت دراستي الجامعية منذ أربع سنوات .. في محافظةٍ بعيدة جداً عن محافظتي التى أقطنُ بها .. كنتُ سعيدة جداً بحلمِ السفر .. بأنني سأبقي مستقلة وأعتمدُ على ذاتي .. كنتُ صلبةً جداً لم أبكي كالفتيات المغتربات اللاتى غادرن أهلهن .. كنتُ أواسيهم وأجدُ هذا طفولياً .. لكنى أتذكرُ أول يوم بكيتُ فيه كان عند رؤيتي لغرفتي في المدينة الجامعية ..كان شيئا مريعاً ..غرفة قديمة تحوى أربعةَ فتيات لا أعرفهن .. بكيت لأمي كثيراً إلى أن هدأت من روعى فهدأت لتمر الأيام ..
مرت الأيام وكان صعبة جدا خصوصا في العام الأول ..كنتُ غيرَ منسجمة مع الفتيات ..مع أفكارهُن ..مع طريقة حياتهن ..كنت أحتاج أن أغير من نفسي حتى أتأقلمُ معهن .. لا أُنكر أني تشاجرتُ كثيراً ..صمت كثيراً وهربت أكثر ..كنتُ ساذجة فيما يخصُ التعاملات البشرية ..لكن الآن علمتنى الأيام كيف أكونُ صلبة ،قوية ،لاتهتز ولاتترك مجالاً لأحدٍ أن يفعل معها شيئاً لا ترغبُ به .. عرفتُ كيف أختارُ الأصدقاء ..كيف أصونُ الود والأهم أنى تعلمتُ أدبَ الفراق ..وأن خلافنا لايُنسينا الفضلَ بيننا .
وجدتُ في غربتي (أمي) ..وجدت شخصاً دائم السند لى ..شخصاً يوجهني للصواب ..لايفرضُ رأيه على ..بل يعلمنى كيفَ أختار ..في كل يومٍ بكيتُ فيه ..وجدتُ الحل عندها ..في كلِ ضائقة مررتُ بها كانت معيني .. كانت وستظلُ دائمةَ العطاء بلا مقابل ..ووجدت أبي الذى طالما عملت وتحملت من أجل إسعاده ..من أجل أن أكون مصدر فخر له ..وهو الذى كان دائم التضحية من أجلنا ..هو الذى ضحى بحريته من أجل أن نشعر نحن بحريتنا ونعلم كيف نقول كلمة الحق ولو على رقابنا ..
وجدتُ أيضاً أحلاماً تتناثر ..في تعليمٍ لا أنكرُ أنه حطم آمالى أو بالأحرى علمنى أن هنالك من لايقدسون العلم ..ولا يقدسون ما أعطاهم الله من هبه لكى ينفعوا طلابهم .. بل وجدتُ استغلالاً لسلطة ومنصب وأنه في يده مقاليد التوفيق والنجاح ..وجدتُ أيضاً من يقدرون العلم ويحبون الطالب .. ويبذلون الغالى والنفيس في سبيل وصول العلم إليهم .. لا أُنكر أنى في كل يومٍ أمرُ به أقول أنى لن أستمر ..لن أكمل حياتى هكذا ..ولكن لا أعلم ماذا يُخبئ لى القدر ..
وأخيرا وجدتُ شيئاً كنتُ أظن أنى أعرفه ..لكن غربتي ووحدتى عرفتني الكثير ..وجدت الله ، وجدتُ خالقاً رحيماً بي ..عادلاً وفضله لا يعد ولا يُحصي ..في غربتي علمتُ كيفَ هو الدعاء ..كيف هو اليقين وكيف هو الأمل .. كيف يجبرُ الله الخواطر وكيف لا يتركك في ظلماتِ الوحدةِ تائهاً ..كيف يجعلني أجدُ الطريق في كلِ يومٍ أضلُ فيه ..كيف أذنب وكيف أتوب
عرفت كيف أصل إلى خالقى ..وأن الوصول إليه هو أن أصلُ إلى نفسي وأن أعرف ماهى وماذا تريد .. نعم تغيرت وأذنبت كثيراً ولكنى أعلمُ أنى سأعود وسيكون دائماً معى في ذلاتى وعثراتي وأيضاً توبتي ..
مازالَ هنالكَ الكثيرَ من الأيام التى سأقضيها في الغربة ..والتى أعلمُ أنى سأتعلمُ الكثير والكثير ..وَأن العام الواحد من أعوامِ الجامعة بألف عام من أيامِنا الأُخرى ..وأني على يقين أنى سأخرجُ منها شخصاً آخر ..حمل من الألم والحزن والفرح والنضج الكثير ..
إن الحياة دائماً ما تخبرنى أن خير الخبرات نكتسبها بالتجارب وأن التجارب المؤلمة ..هى التى تُولد النضج .. وأننا حقاً في دارِ اختبار ..
-
Huda Osamaقلمى هو الذى يشعرنى بذاتى ، وللاسف أصبحت قليلا ما أمسكه ، لذلك أنا هنا لنعيد الراوبط بيننا أنا وقلمى لأجد ذاتى
التعليقات
صدقت وهذا دايما م اقوله لنفسي .. واكثر ما احببت هذه المقولة" واني على يقين اني سأخرج شخصاً اخر , حمل من الالم والفرح والحزن والنضج الكثير ..
راق لي حقاً شعرت وكأنني معك في كل كلمة كتبتيها و في كل حرف ..
كلماتك ملهمه ومشجعه لكل فتاة في مرحلة دراسية تشعر بالتعب والارهاق من الضغوط المحيطه بها او ضغوط دراسية ا ضغوط الحياة ..
اتمنى لك التوفيق في مسيرتك الدراسية وكوني على يقين ان كل هذا التعب سيزول وسيبدل بالفرح والخير الكثير والسعادة .. فالسعادة في تحقيق ماتطمحين اليه لا يضاهيها اي سعادة ..
نعم عزيزتي ...
الغربه والاوجاع هي ما تغير الأنسان ..
تغير تفكيره ،
اسلوبه ،
ومشاعره ايضا !!
يجب ان نعي ان اتخاذ اي قرار صعب وجديد ، لأجل تحقيق رغبتنا ،
يجب علينا دفع ضريبة اختيارنا له ...
تلك هي الخلاصة الجميلة موفقة في اختيار الموضوع فالحياة كلها لحظات اختبار
مقال جميل وصفتي فيه الغربة بشكل دقيق .
بداية موفقة , و بالتوفيق في حياتك و دراستك .