المرحلة الابتدائية..
الحصة الأولى:
تعلمون يا سادة يا كرام أنها المرحلة الأصعب والأخطر في حياة الطفل,فهي التي تصقله وتؤثر فيه سلبا أو إيجابا,وهي((مرحلة ثقافية عامة غايتها تربية الناشئ تربية شاملة لعقيدته وعقله وجسمه وخلقه)).
الحصة الأولى.. وهي الأخطر لأنها ستمنح ذلك الطفل أول انطباع عن العملية التربوية أولا والتعليمية ثانيا...
بدأ اليوم الدراسي الأول,وفي الحصة الأولى دخل المدرس يحمل معه فطوره وكأس من الشاي في يد ويلوح بعصا من الخيزران في اليد الأخرى وكأنه داخل إلى جبهة قتال , ثم عرف عن نفسه بأنه مربي الصف الأول (ج).
يا الله,هل هذا البغيض ذو البطن المتدلي أمامه وصاحب الشاربين العريضين والصوت الأجش هو من سيكون مربي صفنا,ألا يوجد هناك من هو أكثر لطفا منه؟..قال الطفل في نفسه.
بدأ كلامه بالتهديد والوعيد لكل من يخالف الأنظمة والقوانين,أي أنظمة وأي قوانين تتكلم عنها أمام طلاب أعمارهم لا تتجاوز الستة أعوام.
طلب من كل طالب إن يعرف عن نفسه وهو يلوح أمامه بعصاه إشارة إلى تذكيره بالعقوبة فيما لو خالف أوامره,وكان يقول لكل طالب بعد أن يعرف عن نفسه بلهجته المحلية (اخرس,انطز,ارتمي مكانك..إلى آخره من هذه الكلمات التي لا تقال حتى في الأسواق)
أين التعزيز وأين الترغيب لطلاب بهذا العمر؟
عرف كل طالب عن نفسه حسب مكان جلوسه,ثم جاء دور ذلك الطفل وقبل ان ينبس بكلمة فاجأه ذلك البغيض بسيل من الشتائم والكلمات الساخرة (يا حمار,يا حيوان,ما هذه الثياب الرثة؟, لماذا لم تضع لك أمك العطر...الخ)أي عطر أيها البغيض؟..أسرها ذلك الطفل في نفسه.
كره الطفل المدرسة من الحصة الأولى وكره حياته وفقره.
"مع الأسف لم يتعامل هذا البدين مع كل الطلاب بنفس الكيفية,كان يربت على رأس فلان لأنه ابن المختار وبالتأكيد هو يخاف المختار وله حاجة عنده".
انتهت الحصة الاولى والثانية والثالثة طبعا دون دراسة ولم تخلو تلك الحصص من الشتائم والسخرية حتى جاء الفرج ودق جرس الفرصة (الفسحة)..هرع الطلاب يتسابقون إلى الكانتين (المقصف المدرسي),وركض ذلك الطفل معهم,كل منهم يشتري ساندويشته وعلبة عصيره إلا ابن المختار اشترى ساندو يشتين
وعلبتين من العصير والكثير من الشوكولا فقد "كان بطينا ومعه الكثير من النقود".
وقف الطفل في ذلك الطابور ينتظر دوره, وعندما وصل إلى شباك المقصف طلب ساندويشة وعلبة عصير فقط فهو لا يحمل إلا ثمنها,بادره عامل المقصف :ألا تريد قطعة شوكولا؟أي شوكولا يا عم,أنا لا اعرفها وجئت من المزارع ولم أتعود عليها ولا أحبها – وفي سره يشتهيها كأي طفل في عمره – عندها ضحك ابن المختار قائلا:اتركه,هذا وجه فقر وليس وجه نعمة!! ماذا تقول يا ابن ...ثم بادر ذلك الطفل بتوجيه كف إلى وجهه دفاعا عن كرامته وإنسانيته,وكانت
تلك أول معركة فعلية يخوضها ذلك الطفل في حياته!!
حضر الأستاذ المشرف على الفسحة ويا ليته لم يحضر,فمن سوء حظ ذلك الطفل أن يكون المشرف هو ذلك البغيض البدين.
جاء, ومعه عصاه ودون أن يبحث عن أسباب المشكلة ووجه أخمسيا لذلك الطفل واخذ يطبطب على ابن المختار الذي كان يبكي ودموع التماسيح تذرف من عينيه.
امسك ذلك البدين ذلك الطفل من قبة قميصه من الخلف وجره جرا كالخروف إلى مكتب المدير مع توجيه الكثير من الشتائم.
المدير:لماذا ضربت فلان؟
الطفل:يا سيدي انا..
المدير:اخرس,يبدو انك لا تصلح لان تكون في هذه المدرسة!!
الطفل :يا سيدي,هو قال لي..
المدير:أما زلت تجادل,لا أراك في المدرسة إلا وولي أمرك معك..مفهووم
الطفل:حاضر يا سيدي..قالها بحرقة والدموع تملأ عينيه..
كان هذا أول درس في الحياة تعلمه ذلك الطفل..
-
Dallashوَإِنِّي أَتَجَاهَلُ وَلَسْتُ بِجَاهِلٍ غَضِيضُ الْبَصَرِ وَلَسْتُ أَعْمَى وَإِنِّيْ حَلِيمٌ وَلَسْتُ بِحَالِمٍ حَصِيفُ الْكَلِمِ وَلَسْتُ أَسْمَى مَاهِر بَاكِير