انتظار... - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

انتظار...

الحب الحقيقي هو أن تحب الشخص الوحيد القادر على أن يجعلك تعيسا !

  نشر في 20 غشت 2017  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

مساء أخر يمضي كسابقه, وأنا كعادتي على ضوء الشموع, و قرب شرفتي المطلة على السكة الحديدية أراقب... أراقب قطارا أخرا يمضي في دربه مسرعا, متخلفا عنه كل من بات ملتهيا بمطبات الحياة... أتأمل تعابيير وجوههم الممتلئة بالأسف و الندم على ما فات,نفسها التعابير المرسومة على وجهي منذ أربعين سنة الا أن ما فاتني هو قطار حياة!

أربعون سنة من الانتظار و الترقب, بلغة العقلاء, جنون بلغة الحب وفاء, وبلغة الحواس عذاب. أربعون سنة و أنا مركونة في هاته الزاوية,متمسكة بهاته الشرفة العريضة المطلة على أمالي, أحلامي التي أنسجها كل يوم في انتظارك و التي تزهر بدمع قلبي ,هاته الشرفة التي أضحت بالنسبة لي أخر متنفس قد تلجأ اليه نفسي الكئيبة, فهي الملاذ الوحيد الذي لا يظلم؛ صباحا تنيره أشعة الشمس الساطعة ,و مساء ضوء القمر الخافت, و مابين ذاك و ذاك لحظة الغروب.. أه على تلك اللحظة! و يا لجمال تلك اللوحة الفنية التي أبدعها الخالق !

ان وقت الغروب ذاك ذاته يذكرني بيوم رحيلك, بذلك الوجه البشوش ,و العينين الممتلأتين بالطموح... أذكر ما جاء على لسانك يومها ;قلت أنك ستغيب عني كما الشمس وقت الغروب, ثم ستعود صباح يوم جديد, حيث سنستمتع سويا بذلك النسيم العليل, و خرير المياه العذبة ,وزقزقة العصافير المزركشة المحلقة في السماء... أعطيتني عهذا بأن كل شيء سيصبح على أحسن ما يرام, و أنك راحل على هذا الأساس, حتى نحيا حياة أفضل ,لنا و لذريتنا الصالحة فيما بعد.. لكنك لم تفعل! نقضت عهدك و خلفتني وراءك متربصة, أعيش على ذكريات الماضي, وأتجرع مرارة الوحدة في الحاضر, و أخشى غيابك الأبدي مستقبلا.

أذكر يوم كنا شبابا في مقتبل العمر, نلهو بين البساتين ,و نشدو طربا ,تقبلنا الطبيعة بفراشاتها وعصافيرها ,و تتبسم الشمس لنا في كل الأرجاء... كانت روحنا حلوة فكان كل ما حولنا يبدو حلوا جميلا, الى ان هبت العاصفة آخدة معها الأخضر و اليابس, تاركة ايانا على درب الهوى مشردين بدون مأوى, نتضرع بعضنا الى بعض, فنتغذى على قبلة و نتدفى من عناق ... هكذا هو الحب عاصفة من العواطف الحياشة التي تجلبك نحو القاع ,لاتكاد تقاومها ,بل تسلك منحاها, ظنا منك أنه في الغد القريب ستعود المياه الى مجراها الطبيعي, لكنك ومع الأسف تدرك متأخرا أنك قد أخطأت التقدير!

خضت غمار الحب متيقنة أن ما أفعله كان عين الصواب, وجودك أنذاك الى حانبي كان يقوي من عزيمتي ,يزيدني تضحية و اصرارا. عارضت كلمة أبي, و كسرت قلب أمي, وقلت تبا للعادات و التقاليد, ثم هاجرت قريتي و اتخدتك مأوا لي, عائلتي ,قرة عيني, و دنياي! وها أنا ذا اليوم, عجوز وحيدة, تواسي آلامي فيروز بمقطوعاتها الحية,و تجعلني أحن اليك حبا ,حنانا ,شوقا ,أحن اليك كوطن اخترته و سكنته ملهوفة ,أحن اليك كصباح يغرد على شرفة قلبي, أحن اليك حتى أني تمنيت لو أن هذا الحب يعشق مرة فيعلم ما يلقى المحب من الهجر.

لقد هرمت في انتظارك, و صرت كبة من الشيب, كست التجاعيد وجهي الذي كان يا حسرتاه عليه أنصع من وجه القمر, وتلاشت قدماي و صارتا لا تقويان على حملي, فأصبحت لي الآن منساة تسندني و تسند أحزاني و جروجي. ان ترني تحسبني اليوم ذليلة ولولا الهوى ما ذل في الأرض عاشق ولكن عزيز العاشقين ذليل.

( دخول الممرضة ...)

- خالة بهية ,لقد حان موعد الدواء ..

-ألم يحضر اليوم أيضا؟

-من؟

-زوجي! صارلي زمن و أنا أراقب محطة القطار ,لم يأت؟ أليس كذلك؟

-خالة بهية, زوجك متوفي منذ أربعين عاما ,و نافذتك تلك لا تطل الا على فناء الدار! لا وجود لمحطة قطار هنا بتاتا!

- متوفي؟! فناء الدار؟! ... أي دار؟

- دار العجزة خالة بهية! هيا لتتناولي دواءك حتى تخلدي الى النوم .


  • 14

   نشر في 20 غشت 2017  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

التعليقات

خديجة منذ 7 سنة
رائعة..الحب..ذلك اللغز ..الذي يصعب تفسيره!!
3
Salma Achehbar
نعم هو كذلك
Mohamad Bitar منذ 7 سنة
رائعة .
بالتوفيق انشاء الله
2
Salma Achehbar
أشكرك جزيل الشكر
Amin Almitwaliy منذ 7 سنة
بجد تحفه فنيه جميلة جدا حقا حقا
1
Salma Achehbar
أشكرك
Mais Soulias منذ 7 سنة
ابكتني هذه الكلمات .. كم هي صادقة و جميلة ..
2
Salma Achehbar
كل الكلمات النابعة من القلب يكون لها أثر على أسماع متلقيها
creator writer منذ 7 سنة
" الحب الحقيقي هو أن تحب الشخص الوحيد القادر على أن يجعلك تعيسا "
.
.
.

والقادر على فعل ما يمكن أن يؤذيك لكنك رغم ذلك تظل ممسكا به ، لسبب أو لآخر ، آخذا بيده لحمايته من أي أذى ،
في حين يحاول هو افلات يدك عند أقرب هاوية ..!
5

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا