جاء الصبح و إنتعش الجو، بأشعة الشمس الزهية، فزقزقت العصافير في كل مكان . وبالقرب من نافذة الغرفة التي تنام فيها زمردة الفتاة الكسولة، ظلت العصافير تزقزق دون انقطاع كأنها تتحدث عن أمر هام أو أرادت إحداث جلبة لإيقاظ كل نائم في ذلك القصر. وأخيرا إستيقظت زمردة، متذمرة من صوتها الذي ملأ المكان. و رغبت بشدة لو تستطيع إمساك بعصفور واحد لتعلمه أداب الصباح، و إحترام النائمين و عدم إزعاجهم مبكرا.
وفي تلك الأثناء دخلت الخادمة مشرقة مبتسمة إلى غرفتها، و طلبت منها بكل لطف أن ترافقها إلى الأميرة ليزا التي تنتظرها على مائدة الإفطار في حديقة القصر. إنه يوم ربيعي جميل لذا إختارت الأميرة ليزا الإستمتاع بالطقس منذ بداية اليوم.
كانت الخادمة واقفة تنتظر زمردة حتى تجهز و قد أحضرت إليها الكثير من الملابس الربيعية ذات الألوان الزاهية الإحتفالية. فإختارت زمردة فستانا أصفر اللون و وضعت معه بعض إكسسوارات النادرة، فأصبحت مثل أميرة حقيقية تستعد لتخرج في رحلة سياحية يتبعها الخدم و الجيش.
بمجرد أن وصلت لتلك الحديقة التي كانت ذات مساحة خضراء واسعة تتوسطعها مائدة الافطار، عدلت من نفسها وصارت تمشي ببطء خوف أن تقع. إنها لم تعتد هذا اللباس.و هذه الدقائق الأولى التي تجد نفسها مرتدية أزياء غريبة عن ثقافتها. لكن مهمتها تجبرها أن تتأقلم مع كل رحلة تمر بها. وليست في وضع أن تختار، المطلوب منها ان تجتاز كل مرحلة بنجاح فقط.
و لسوء الحظ كان ماثيو يراقبها، لذا عليها أن تجسد الدور بنجاح. وما إن وصلت حتى تنفست الصعداء، و إبتسمت منتصرة. لكن ماثيو الذي كان لها بالمرصاد. قال لها ساخرا :
- وأخيرا وصلت أميرتنا ... لقد إستغرقت سنوات حتى تصل أظن انك كنت في شجار مع الحذاء والفستان !!؟
فردت مبتسمة :
- لا يا سمو الأمير، إنك تظلمني بقولك هذا ... لقد تأخرت لأني كنت أبذل جهدا حتى أتأنق لك ... أظن أني لم أعجبك و كل أتعابي ذهبت هباءا .. يالا الهول !!
لقد تمكنت من الأمير ماثيو بطريقة ذكية وأرغمته جبرا على الصمت فلم يعد يمتلك ورقة رابحة حتى يستفزها أمام ليزا .. لذا لم يجبها قط و إختار ان يستسلم و يكتفي بإفطاره.
لقد لاحظت زمردة علامات النصر من ملامح ماثيو المتغطرس وانها إستطاعت أن تعيد كرامتها الضائعة من موقفه يوم أمس. و من شدة الفرحة انكبت تتذوق كل انواع الطعام الذي عرض امامها كانه معرض دولي للطعام، أتت كل البلدان بألذ أطباقها للمشاركة فيه. أما الأميرة ليزا قد لاحظت المشاكسة التي حدثت منذ قليل أمامها، و لم تتكلم، بل تركت الأمور على حالها كأنها لم تلحظ شيئا.
إستأذن ماثيو و غادر، أما الأميرة ليزا أخبرت زمردة أنها ستطلعها عن أسرار مهمة حتى تتمكن منذ اليوم في مباشرة مهمتها. كانت زمردة كلها أذان صاغية. فقالت لها الأميرة :
- عزيزتي.. يوجد في آخر المدينة غابة كثيفة الأشجار لا يدخلها إلا المزارعون ليجلبون الحطب، هي آمنة فقط في نهار أما في الليل لا أحد منا يتجرأ ان يدخلها، المطلوب منك هو ان تجدي طريقة حتى تزيلين اللعنة، كونك الفتاة الوحيدة الغريبة بيننا فلن يحدث لك مكروه.
فقاطعتها، زمردة قائلة:
-لكن يا سيدتي... لهذه اللحظة لا أمتلك أدنى فكرة عن ماذا تتحدثين و أي لعنة صحيح أنك أخبرتني بكامل القصة، لكني أرغب في سماع كامل القصة و بوضوح .. أرجو منك ان لا تنسي اي تفصيل.
فوافقت الأميرة ليزا وأخبرتها، أنه في قديم زمان كانت هذه القرية تعيش فيها ساحرة شريرة أحبت الملك و أردات ان تتزوج منه لكنه كان يرفضها بل يمقتها، عرضت عليه ان يتزوجها في مقابل أن تساعده بقوتها السحرية العجيبة في إدارة المملكة. لكنه كان يرفض و يتجنبها خوفا من ان تتطال يديها السوداء الحكم فتعبث فيه فسادا. و الغريب انها كانت في منتهى الروعة والجمال و السحر، لكن هذا لم يحدث فرقا لدى الملك وظل متشبثا برأيه. و حدث ان يوما ما أعجب الملك بفتاة كانت من بين خادمات القصر فأحبها حبا كبيرا وقرر الزواج منها رغم جمالها المتواضع، و اليوم الذي كان من المفترض ان تتم فيه مراسم الزواج، أتت تلك الساحرة الى قصر الملك، مرتدية فستان زفاف لؤلؤي لون ساحر، حاملة باقة ورد بيضاء بين يديها تطلب منه الزواج بكل ود و ان يعدل عن زواج من تلك الخادمة. لكنه أمر بسجنها و في لحظة غضب جامح ألقت الساحرة لعنة سوداء على المملكة، بأن تبقى منبوذة منسية ولا أحد من العالم يكتشفها بأعلى صوتها. فخيم الظلام على المملكة و ظهرت غابة كثيفة الأشجار داكنة اللون أحاطت بالمملكة من كل جانب بطريقة ما إختفت المدينة عن أنظار العالم و لم تعد تقدر على التواصل مع المحيط الخارجي لسنوات طويلة.
بعد ان أتمت ليزا القصة أخبرت زمردة ان تجد طريقة ناجعة لايجاد مخرج و الأهم أن الحل موجود في تلك الغابة فقط. فإقترحت عليها زمردة ان تسمح لها بإستكشاف تلك الغابة اليوم، فوافقت الاميرة و أخبرتها انها غير مجبرة بإستشارتها عن أي أمر ما. لديها كامل الحرية في التصرف و إتخاذ اي قرار، المطلوب منها بذل جهد كبير لإخراج القرية المنسية إلى العالم الحقيقي.
يتبع...
-
راضية منصورمختصة بدارسة قانون سنة ثالثة دكتوراه