يوم دخل فخري المدينة - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

يوم دخل فخري المدينة

  نشر في 06 ماي 2018 .

يوم دخل فخري المدينة

قصة كانت تروى أحيانا في المجالس على سبيل الفكاهة من زمن طويل وقد تكاد أن تنقرض من قلة روايتها الآن ولكنها قصة حقيقية وراحت مثلا ، وقد حدثت قبل أكثر من ٦٠ عاما وتعبر عن تأثر من حول المدينة بما يجري فيها ويذكر فيها القائد التركي فخري باشا الذي كان دخوله للمدينة عام ١٩١٦ م حاكما للمدينة وإستقبال الناس له من الأيام المشهورة التي رسخت في وجدان الناس في ذلك الزمان ثم ما تلى ذلك من أحداث مثل تأميم المزارع حول المدينة وطرد الناس في منطقة العيون عن مزارعهم والفتك بمن يقبض عليه منهم ثم مقاومة أهل المنطقة للدولة العثمانية وما تلى ذلك من أحداث، فيخبرنا بعض كبار السن أن الدولة العثمانية إستولت على مزارعهم في العيون وما حولها وطردتهم منها ثلاث سنين في آخر عهد الدولة العثمانية في زمن فخري باشا وكانو يطلقون عليهم المدفعية من القلعة الموجودة الآن في الركن الشمالي الغربي لجبل أحد ، ويضطر أهل المزارع والخيوف في المنطقة بالتسلل الى مزارعهم ليلاً خصوصاً وقت موسم الرطب والتمر ليأخذوا ما يقدرون عليه منها ليسد حاجتهم في ظروف معيشية صعبة ، يموت الناس فيها من الجوع، وتطلق المدفعية القنابل المضيئة من قلعة جبل أحد وكان الناس ينبهرون من شدة إضاءتها، فيقولون إن الأرض تصبح مضيئة وكأن الشمس طلعت فيختبئون بين الأشجار لحين ما يخف البحث عنهم ، تاريخ حفر في ذاكرة كثير من أهل المدينة وما حولها من باديتها وكلٌ لديه ما يرويه من أحداث وروايات أغلبها حقيقية والبعض قد يكون مبالغ فيها مع الإختلاف الشديد في وجهات النظر بين من هو حاكم شرعي يحارب من أجل المدينة ومن هو محتل يجب حماية المدينة منه وإخراجه منها ، خلاف تاريخي أزلي يحدث في أغلب بقاع الأرض ويستمر حتى يرث الله الأرض ومن عليها.

ونعود لطرفتنا والتي قد تكون من آخر ما تبقى في الذاكرة المتعاقبة لفترة مضى عليها أكثر من مئة عام فجددتها هذه الطرفة الحقيقية وكانت تروى في المجالس على سبيل الفكاهة وقد سمعتها في صغري مرات عديدة ولا أكاد أسمعها اليوم وقد أصبحت مثلا ( يوم فخري دخل المدينة ) ومن يسمعها في هذا الزمان من الأجيال قد يستحيل عليه معرفة من فخري المقصود في هذا المثل ويحتاج الى مقدمة تاريخية للتعريف به ،

والطرفة ، أن شيخاً كبيراً وزوجته العجوز يعيشون في شمال المدينة المنورة في بيت من الشعر قريب من مزارع العيون وكان الناس يحضرون من البادية أي يقدمون من البادية الى المزارع التي حول المدينة خصوصا منطقة العيون في وقت الصيف حيث مياه عشرات العيون والمساقي تجري مثل الأنهار وإذا إمتلأت المزارع فإنها تفيض الى الشمال مع وادي الحمض وتلتقي مع النجل وهو مسمى لنهر جارٍ ينبع من تحت جبل الضرس وهو الجبل الواقع جنوب غرب برج الجوال الواقع على اليسار من المتجه الى المنتزه البري قبل أول منحنى حاد يتجه شمالاً بعد إنتهاء مزارع الخليل ، وينتهي هذا النهر ويغيب في الأرض ويختفي عن الأنظار عند التقاء الجبل الملاصق لسد الغابة من الغرب كما يقول من عاصره وقد إنقطع هذا النهر منذ أكثر من ٧٠ عاماً وكان الناس يصطادون فيه الأسماك وتشرب منه الدواب وماؤه كما يقال هماج أي عذب به قليل من الملوحة وكان مجراه يسير في غابة كثيفة جداً من أشجار الطرفاء التي لا يستطيع الناس السير فيها الا بطرقات محددة وتنتشر فيها قطعان الذئاب والسباع وكانت تمتد من شمال غرب جبل أحد حتى سد الغابة الآن وهي الأشجار التي صنع منها المنبر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد صنع منبره صلى الله عليه وسلم من طرفاء الغابة.

ونعود لطرفتنا التي خرجنا عدة مرات عن مسارها لما حضر في الذاكرة من شجون وذكريات سمعناها ممن سبقنا في منطقة عاش فيها أجدادنا وأهلنا منذ مئات السنين ولا يزال أغلبهم له فيها ما يذكره فيها إما سكن أو مزرعة أو إستراحة أو قريب أو صديق .

ونعود لبيت الشعر الذي سبق أن أشرنا اليه فقد كان إبنهم في ذلك الوقت في العسكرية ( القطاع العسكري ) في مدينة أخرى وكان يستغرق عدة أشهر أحياناً حتى يأتي اليهم ، فقدم اليهم ذات مرة ودخل المدينة بالليل وإتجه الى مكان والديه ودخل بيت الشعر في المكان المخصص للرجال ولم يشعرا به ولم يكن في البيت أحد ، فسمع والده ينادي عجوزه ويقول ، يقولون فخري دخل المدينة بصوت عالي ، فأجابته ، يا هلا ومرحبا فيه ، وكانت هذه العبارة كلمة سر بينهم لأداء الحقوق في ظلمة الليل البهيم الذي يحيط بالمكان والزمان مع عدم وجود مصادر للإنارة إلا ضوء القمر الساطع البديع والنجوم اللامعة التي تزين السماء كما الجواهر وتشعل الأشواق والمشاعر وتجعل الشيخ الكبير، كأنه شاباً يافعاً والمرأة العجوز كأنها فتاة في عمر الزهور ، وفي ذلك الزمان كانت غرفة النوم عبارة عن قطيفة من الصوف تهدى للعروس مع زواجها وتستمر معها سنوات طويلة وتكون فراشاً ولحافاً في نفس الوقت وتقي من البرد الشديد وعازلة للصوت ، فلما جاء الصباح وجدوا إبنهم داخل مجلس الرجال ففرحوا به فرحاً شديداً وسأله والده متى أتيت يا ولدي فلم نشعر فيك ، فقال جئت عندما دخل فخري المدينة ، فضحك والده وأستحت أمه ، وأنتشرت القصة على سبيل الفكاهة وصارت مثلاً ، وكانت تروى لنا بأسماء أصحابها الحقيقية وإبنهم المذكور لايزال على قيد الحياة حسب علمي الى هذه اللحظة ، طرفة فكاهية أبقت في الذاكرة إسماً نسيه أكثر الناس بذهاب من عاصروا الأحداث ولا يذكره الا من يبحث بالتاريخ ولكن بقى إسمه متداولاً عشرات السنين بهذه الطرفة الفكاهية.

(ضمن توثيق الموروث الشعبي بمنطقة المدينة المنورة وما حولها )

المهندس /منصور محمد المحمدي

المدينة المنورة

mansourmf @gmail.com




  • منصور
    مهندس إستشاري، أكتب مقالات إجتماعية في بعض الصحف الإلكترونية ، شاعر ومحب للشعر والأدب والقصص،مؤسس قناة خدمات النخيل - يوتيوب.
   نشر في 06 ماي 2018 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا