مغامرات أرنب في بلاد العجائب للكاتب فريد أبوسرايا - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

مغامرات أرنب في بلاد العجائب للكاتب فريد أبوسرايا

قصة قصيرة

  نشر في 06 غشت 2015 .

مغامرات أرنب في بلاد العجائب

بقلم : فريد أبو سرايا

آليس : لكنني لا أريد أن أذهب لأتواجد وسط المجانين . القطة : آه ، ليس بمقدورك منع ذلك . نحن كلنا مجانين هنـا . أنا مجنونـة ، أنت مجنونة . آليس : كيف عرفتِ أنني مجنونة ؟ القطة : لابد أن تكوني كذلك ، وإلا لما جئتي إلى هنا . لويس كارول ، آليس في بلاد العجائب

أكتظ المسرح بالنظارة الذين كانوا جلهم من المدخنين ، فتلبدت سماءه بسحب كثيفة من دخان السجائر خشي البعض أن يهطل منها بعض الأمطار الحمضية فتبطل السحر ، وتفسد عليهم الفرجة . أرسلت المصابيح الجانبية الصغيرة أضواء شاحبة أشبه ما تكون بالأضواء الفوسفورية التي لا تضيء إلا لكي تُرى ، لا لكي تُري. بعد برهة ليست بالقصيرة ، أزيحت الستارة وسط عاصفة من التصفيق والتصفير ولم يكن المشهد معقداً كالسحر بل كان عبارة عن ساحر يعتمر قبعة طويلة واقفاً خلف منضدة . خلع الساحر قبعته الطويلة وحيَّا بها الجمهور ثم وضعها أمامه على المنضدة ، ومد يده وبدأ كأنه يتحسس ما بداخلها للإمساك بشئ ما . بعد جولة من التلمس والتحسس أضطر معها للتوغل بيده في غيابات القبعة أفلح أخيراُ بالإمساك بأذني مراده. أخرج الساحر الأرنب من القبعة ووضعه على المنضدة . وسط هذا الجو السريالي ارتسمت علامات الحيرة والتعجب على وجه الأرنب ولا غرو في ذلك فلم يكن الساحر ببدلته السوداء وجو المسرح الملبد بغيوم دخان السجائر والذي تتردد في سمائه أصوات صراخ النظارة وصفيرهم سوى أحد المشاهد التي يمكن رؤيتها في ( بلاد العجائب ) . لم يكن تواجد أرنب الساحر في بلاد العجائب ببدعة في عالم الأرانب فقد فعلها أرنب من قبل مع فارق بسيط وهو أن ذلك الأرنب الغابر قد ذهب إلى بلاد العجائب بينما جاء أرنبنا إليها .

قفز الأرنب من المنضدة وحط على خشبة المسرح وأخذ ينط هنا وهناك . أعجب النظارة بهذا العرض ( الأرانبي أو الأرنوبي ) ، وأطلقوا لإعجابهم العنان بيد أن إعجابهم لم يكن إلا مكاء وتصدية . أستحوذ الأرنب على إعجاب الحضور ، فامتلأ رصيده بالمعجبين على حساب رصيد الساحر.

إن الناظر إلى حال الأرنب ، لابد أن يدرك أنه لم يكن من المعجبين بأفكار روبرت غرين ، وغير مقتنعاً بالقانون الأول من قوانين السلطة الثمانية والأربعين ، القائل : لا تلمع أبداً أكثر من السيد .

لقد أشرق الأرنب على نحو جعله كشمس النابغة التي قيل عنها :

فإنك شمس والملوك كواكب ..... إذا طلعت لم يبد منهن كوكب

شعر الساحر بأن الأرنب قد خطف منه الأنوار ، وأن اهتمام الحضور أنصب بالكامل على الأرنب لدرجة أنهم لم يعد يشعرون بوجوده ، وأن النظارة في الواقع لم يكونوا مهتمين به كساحر بقدر اهتمامهم بالأرنب المسحور . أصيب الساحر جراء ذلك بحالة من الاكتئاب جعلته يعتقد أن الأرنب هو الساحر الفعلي ، وأنه هو من قام بالسحر، وأمسك بإحدى أذنيه وأخرجه من القبعة ، فهو ليس إلاّ مخراق من مخاريق الأرنب .

غار الساحر على سحره ، وقرر إيقاف هذه الملهاة – المأساة ، فتحرك للإمساك بالأرنب ليعيده إلى غياهب القبعة حيث وجده أول مرة . لم تكن المهمة بالسهلة هذه المرة ، فإذا كان الإمساك بالأرنب في المرة الأولى أمراً صعباً فقد كان في هذه المرة بالغ الصعوبة فالأرنب في بلاد العجائب يصبح أرنبا عجيباً .

عندما أقترب الساحر من الأرنب ، قال له هذا الأخير : لعلك تتعجب مما يجري ، وتنسى أننا في بلاد العجائب التي ليس فيها العجيب بغريب ، ولا القريب بحبيب ، ولا النجيب بلبيب ، ولا يجد فيها السائل مجيب ، ولا العليل طبيب ، ولا القطيع مرعى خصيب ، وأكاد أجزم أنه لو كان المتنبي بيننا لقال :

إليّ لَعَمري قَصْدُ كُلّ عَجيبَةٍ ..... كأنّي عَجيبٌ في عُيُونِ العَجائِبِ

أندهش الساحر من سماعه الأرنب يتكلم ويروي الشعر ، وبهدوء السحرة قال للأرنب :

إذا كنت تظن نفسك في بلاد العجائب ، فما هو وجه العجب الذي تراه فيها ؟

قال الأرنب : إن للعجب فيها عدة وجوه وليس مجرد وجها واحداً ، سأخبرك بعجائبها السبع : إن الأعجوبة الأولى في بلاد العجائب هذه هي أن يجلب إليها أرنبا بدلا من أن يذهب الأرنب إليها ، والأعجوبة الثانية أن الأرنب لم يأتي عن طريق حفرة لإيواء الجذور بل جاء من حفرة لإيواء الرؤوس ، والأعجوبة الثالثة هي أن أهل بلاد العجائب ليسوا أقل إثارة للعجب ممن وفد عليهم ، والأعجوبة الرابعة ، هي أن الواقع فيها أعجب من السحر ، والأعجوبة الخامسة هي أن المسحور فيها يثير من العجب أكثر مما يثيره الساحر ، والأعجوبة السادسة هي أن السحر فيها ينقلب على الساحر ، والأعجوبة السابعة هي قدرتك على سماع كلامي هذا وسط كل هذا الضجيج والصخب اللذان يصمان الأذان . أختتم الأرنب كلامه للساحر ، ثم أنطلق ينط على خشبة المسرح مبتعداً عنه ، وفجأة توقف الأرنب ، واستدار إلى الوراء وقال للساحر : لقد كدت أنسى ، هناك عجيبة أخرى في بلاد العجائب هذه ، وهي أن أهلها قد صدقوا أن في بلادهم أعجوبة ثامنة ، ثم أستأنف نطه على خشبة المسرح .

وما توفيقي إلاّ بالله

فريد أبوسرايا

الثلاثاء ، 23 يونيو 2015 م الموافق 6 رمضان 1436 هـ




   نشر في 06 غشت 2015 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا