كان اسمه بوبي - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

كان اسمه بوبي

من ملحمة الذكريات

  نشر في 28 أبريل 2016 .

يقول بعض الفلاسفة أن شخصية الإنسان مبنية على الذكريات وعلى المكان والرائحة والنسيم والماضي،قد تكون محض فلسفة عابرة بمحض الصدفة أو الخيال لكن لن أنكر أنها اتخذت مأخذها من نفسي وعقلي حتى تبلورت فأضحت شبه قناعة عندي،ومن يشك في هاته الفلسفة فليسأل نفسه لما قد يصاب العجزة في اراذل لعمر بالنسيان والزهايمر؟...هل هي أسباب طبية محضة أم هناك ما هو أعمق من ذلك، واسأل العجائز عن ذلك...وكم هي جميلة قصص الأجداد...كالبلسم الشافي قبل النسيان. 

لم أستطع في حياتي وأنا راجع للماضي في لحظة حنين أن أدرك طعم الوفاء والإخلاص سوى من الحيوانات...وجاهل من يقول أن الحيوانات تفتقد للعقل والإحساس...وتجدني مرتاحا أشد الارتياح وأنا مجالس لقط أو كلب أو لخروف أو ما كان،أنا حاولت أن ادخل لعالمهم فوجدته رحبا مضيافا في أي حين غير جامد فالحيونات لا تعرف الركود والسكون تسرح بعقلها وجسدها ومخيلتها كل حين...فتحية للحيوانات الحرة وتحية لروح بوبي...مرافقتي الأبدية. 

كان لي كلب اسمه بوبي، لن أقول بوبي1 أو بوبي2...صحيح أني قد حاولت مرات أن أربي واحدا لكني لم أستطع فسرعان ما وافتهم المنية، أما بوبي هذا فهو شيء اخر...قد أعتبره قنطرتي لعالم الفطرة أو مصلح أناتي المتضخمة...فمنذ أن كان جروا صغيرا إلى أن أصبح كلبا كهلا وأنا أرى معالم البراءة والوفاء تتقطر من عينيه كل حين...لكن واأسفاه...لم أيصر حينها أي شيء رغم حبي له"حب الشخص لما هو ملك له" وكان الإدراك متأخرا...وكم هو صعب أن تستشعر قيمة الأشياء بعد فقدانها...

في يوم من الأيام الخوالي استيقظت في عجل فقد كنت متأخرا عن المدرسة؛وما أطوله مشوار هو الذي بين بيتنا وبين المدرسة؛ خرجت في عجل فوجدته ينتظرني جالسا القرفصاء قدّام الباب...ربثت على رأسه ومضيت، لكنه لم يظل جالسا بل تبعني...لا تأتي قلت لا تأتي يا بوبي...فما كان منه سوى أن ينزل أذنيه المتربصتين ويحني ذيله ويتقهقر للوراء...فأكملت طريقي دون التفات للوراء،قطعت الوادي مسرعا وسلمت على مسجدنا الشاحب...أقل شيء أستطيع أن أقدمه لمن لا يتردد عليه إلا قليلا قليلا وطبعا لم أكن منهم...أكمل طريقي وأنا أستجمع أنفاسي،لكن في لحظة أحسست أن شيئا ليس بالطبيعي يحدث...هناك من يتربصني من بعيد...التفت للوراء ويا لدهشتي عندما وجدت كلبي بقربي مرافقا...كيف لم أحس به بعد هذا المشوار...نظرت اليه بعينين جاحدتين لكنه لم يعرف قصدي فأرخا ذيله ليجيئ ذهابا وايابا،وانينه الخفيف مبشرا لي بعظم المفاجأة...لم أحاول أن أفكر ولو لثانية...وفي لحظة أمسكت طوبا وحجرا وانهالت عليه ضرباتي مما أدى به للهروب مسافة كفية تقيه شري،حاولت أن أكمل سيري بخطوات ابتدأت متسارعة إلى أن وصلت لحد الجري...أجري وأصيح وعيني مغرورقة بالدموع لا تأتي لا تأتي عساه يفهمني ولكن بدون جدوى،واصلت رحلة المطاردة بيني وبينه إلى أن وصلت لأطراف المدينة فحاولت أن أغير مساري بدخول أزقة والخروج من أخرى ،ولكن سرعان ما أحسست بالغباء لتذكري أن الكلاب تشتمك من بعيد وخصوصا إن كانت معتادة على رائحتك منذ سنوات...كلما حدثوهاته الحالة الهستيرية التي وصلت اليها كانت خارج اطار ذاتي ومبنية بنظرة الاخر ولم أحاول ولو للحظة أن أدخل الكلب في نظرتي وأن أسأل ببديهة عن سبب لحاقه بي...وكم كنت جبانا عند وصولي للمدرسة والكلب يلحقني من بعيد،عندما ادعيت أني لا أعرفه ولا تربطني به أية صلة بينما هو لا فكل تلك الطريق بل كل تلك الأعوام كان يقتفي اثاري ويشتم رائحتي ويتتبع خيالي، دخلت قاعة القسم وظل عقلي معلقا به...كيف سيستطيع العودة وهل سينجو من السيارات والبشر المشاكس...عُدت للمنزل وبعد فتحي للباب وجدته كعادته ينتظرني وذيله يرفرف مع الريح بوجهه البشوش كأن شيئا من ذي قبل لم يكن، لو كنت مكانه لكنت قد غرزت كل أنيابي في فخذه،يالها من صداقة أبدية وياله من وفاء يخترق كل المدركات والأحاسيس...علاقة تنسف كل تراحم أو بالأحرى تعاقد انساني،وتجعلنا في موقف ضعف وتأمل في خلقتنا وضرورة خلقة مثل هاته المخلوقات...فهل من معتبر. 



   نشر في 28 أبريل 2016 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا