الجمال الخفي
منه تنبع الرحمة والمحبة والوداد
نشر في 28 أكتوبر 2020 وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .
في مدينة سياتل في اجواء الشتاء الباردة الملبدة بالغيوم . شاءت إرادة القدر أن تجمعني على غير ساعة ميعاد بأمرأة طاعنة في السن قد شاب شعرها وظهرت على صفحات وجهها تجاعيد الزمان ...
ثم طفقت ترمقني وترسل سهام نظراتها نحوي على غير تحفّظ منها أو وجل ، وكأنها تعرفني منذ سنين طوال .
تلك النظرات الحانية المصحوبة بالكلمات التي تنبعث من أعماق قلبها الممتلىء بالإنسانية ، قد كان لها بالغ الأثر في قرارة نفسي . فتارة تسألني عن حالي الذي يتراءى لها بالوجه الشاحب والجسم النحيل الذي يتراعد من زمهرير البرد ، ولا أدري لربما رأت مني شيئاً ينفذ إلى بصيرتها متجاوز بذلك حدود النظر والبصر . وبينما نحن على تلك الحال إذ حدثتني عن الغربة التي تمزّق وشائج العلائق بين المتحابين ، وخصوصاً ما كان من رابطة الوصل بين الأم وولدها .
وبعد دقائق معدودة شارف لقاءنا بالرحيل - الذي جمعتنا به محاسن الصدف - ثم دنت مني دنو راب مثلي المنكفأ على ثقافته ولم يعتد على عناق الغرباء . ثم همست لي بكلمات يفوح منها عبق العاطفة المرهفة ، وكانت نبراتها ترتعش ممزوجة بعبراتها الصادقة ، وكأنها الأم الرؤوم الرحيم على فلذة كبدها الوحيد . فما فتأت تنهال على سمعي بنصائحها التي تنير لي دياجير الظلام في مسيرة حياتي الحافلة بالمخاطرة والمغامرة .
أيها الجمال الخفي الذي يلامس شغاف قلبي ولا يعرف عرقاً أو لوناً أو ديناً يبني حواجز وهمية بين بني الإنسان نفسه ويجعل منهم شعوباً متناحرة يلعن بعضها بعضا ويقتل بعضها بعضا . وأي عار يزري بالإنسانية جمعاء وهم يتطلعون للجمال الظاهر الزائف ، غير آبهين ولا مكترثين بالجمال الباطن الحقيقي !!
-
المسافريتألم الإنسان بالوهم اكثر مما يتألم بالحقيقة .
التعليقات
التي تعشق الجمال الحقيقي
لدي يقين
بأن كل صدفة في حياتنا لم تخلق عبثاً.
كنت هناك
على مقعد مجاور
أحدق في تفاصيل تلك العجوز
وتسللت إلي بعض
من نفحات ذلك الجمال الخفي..