"سنة و 3 أيام" ..قصة صعود الإخوان لحكم مصر في عمل روائي مؤثر
قصة صعود الإخوان لحكم مصر في عمل روائي مؤثر
نشر في 09 أكتوبر 2015 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
لا شك أن مصر عاشت خلال السنوات الماضية أصعب وأهم فترات تارخها الحديث التي من المؤكد أن المؤرخين سيقفوا طويلا عند تأريخ هذه المرحلة التاريخية الفاصلة في تاريخ مصر.
وإذا كنا نرى عقودا طويلة أو قرون عدة يمر المؤرخين عليها مرور الكرام، فإن هناك أيام أو سنوات كفيلة بأن تسود مئات بل ملايين من الصفحات التي تظل كوثيقة تاريخية لمن يأت فيما بعد من أجيال جديدة تطمح إلى التعرف على ماضيها والاستفادة من تاريخها والتعلم منه أيضا.
وإذا كانت الرواية التاريخية هي حالة من حالات التأريخ الشعبي التي برزت مؤخرا فيمكن القول بأن رواية "سنة و3 أيام" للكاتب والصحفي "أحمد فرغلي رضوان" هي بمثابة رصد حالة لواقع عاشته مصر خلال فترة حكم رئيسها الخامس، والذي هو للأسف أول رئيس منتخب لمصر في تاريخها بطريقة الاقتراع المباشر.
عمل رضوان قد يكون أول عمل روائي مصري يتناول هذه المرحلة الهامة من تاريخ مصر والتي أدت بها لثورة ثانية بعد ثلاث سنوات من ثورة 25 يناير، اتفق من اتفق مع تسميتهما ثورة، واختلف من اختلف، لكن يبقى أن كلا من 25 يناير 2011، و 30 يونيو 2013 حراك شعبي مصري بامتياز يضاف إلى تاريخ الحركة الشعبية المصرية الزاخر -على عكس ما يثار- بالثورات والحركات الشعبية منذ فجر التاريخ.
ويختار الكاتب في روايته التي هي العمل الابداعي الأول مرحلة فارقة حددها بـ"سنة و3 أيام" أو يزيد قليلا منذ بدء مرحلة الاعلان عن الانتخابات الرئاسية الأولى لمصر والتي كانت الفترة التي علق عليها ملايين المصريين آمالهم في غد مشرق ومستقبل تعدوه الديمقراطية.
وبالرغم من أن رضوان في بداية عمله صدَر ملاحظة كتب فيها "هذا العمل لا يمت إلى الواقع بصلة أو تشابه بينه وبين الواقع غهو من قبيل المصادفة فقط لا غير"، إلا أن القاريء ومع بداية النص سيجد نفسيه يجري إحالات سواء على الشخصيات والجماعات والأحداث، إلى مرحلة ما في قلب الرواية يبلغ بك الكاتب إلى تناسي الشخوص الحقيقية التي كنت تبني عليها للاستمرار مع العمل في سرده السلس، ولغته البسيطة والرصينة في آن واحد... حتى تستيقظ في نهاية العمل مع بطل الرواية الرئيسي ( والذي يسعى الكاتب طوال العمل لإحداث حالة من التعاطف لدى القاريء معه) للتأكد من أنه بطل خيالي من ورق.. ورجل طيب رمته طيبته إلى "الحلم" فحلم بكل ما سيجري في مصر وداخل جماعته خلال فترة ال "سنة و3 أيام" القادمة.. ثم يستيقظ من حلمه الطويل مستعيذا بالله من الشيطان الرجيم على هذا الكابوس الذي لعب فيه دور "الماريونيت" داخل القصر الرئاسي.
ثلاثة وعشرون فصلا أو تصنيفا داخل العمل الروائي الذي لم يتجاوز 145 صفحة، سعى خلالها "أحمد فرغلي" لإحداث مشاهد سينمائية يمكنها توصيف القصة والكشف عن قصته التي هي بين الحقيقة وتوصيف فعلي لها، وبين الخيال الذي عمد الكاتب أن يوهم القاريء به ببعض الأمور التي من بينها نغيير في سياق بعض الأحداث التي تابعها المصريون، وهذا طبعا إضافة إلى تغيير كامل لأسماء أشخاص العمل، الذين سيصل القاريء لأسماءهم الحقيقية عبر الإحالات التي يقدمها فرغلي في عمله الروائي الأول.
مع كتابة فرغلي ستجد تجاورا للعربية الفصيحة، والعامية التي أصر على أن يقدم به الحوار الدائر بين شخوص الرواية، في صورة تبدو كحالة من حالات إكمال المشهد السينمائي الذي عمد إليه في كتابه عمله منذ البداية.
ويبدأ العمل الروائي مع "الأستاذ مؤمن موسى المنياوي"، أو الشيخ مؤمن، أمام مسجد القرية ومدرس اللغة العربية للمرحلة الثانوية، أحد أعضاء جمعية "الإصلاح والتنمية" – الإخوان المسلمين إن جاز التعبير-والذي جاء من سنوات عمل طويلة بالمملكة السعودية ليغيش في قريته مدرسا في الصباح وإماما لمسجد القرية يقوم بدوره التثقيفي لأهل قريته من داخل المسجد، ستجد له أبناء خمسة – كحال محمد مرسي- إلا أنه يجري إشارات واضحه في أسماء بعض أبناءه والذين من بينهم "خيرت وبديع".
هذا حال مرسي أو بالأحرى "مؤمن" في أول مشهد من مشاهد الرواية والذي جاء بعنوان "البطل".. والحقيقة تقف طويلا مع مسمى البطل في هذا المشهد الذي يحكي حكاية مؤمن وقصة ضعف شخصيته التي أدت به لأن يصعد في الجمعية ليكون مسئولا عن محافظته بالكامل، فالأهم في الجمعية هي الالتزام بـ"السمع والطاعة.
ثم يأتي المشهد الفارق.. مؤمن كعادته في مسجد القرية يلقي درسه اليومي في الفقه ويستمع لتساؤلات أهل القرية إلى أن يدخل للمسجد هذا الزائر الغريب ذو الملابس الفخمة التي يوصفها فرغلي، ليحدث حالة من الارتباك لدى مؤمن يتبعها اعتذار لمريديه المتابعين لدرسه اليومي نظرا لقدوم ضيفا من القاهرة.
ما الضيف القادم من القاهرة إلى قلب الصعيد إلا الرجل الثاني في الجمعية الشيخ "ثروت" – خيرت في الواقع- والذي جاء ليبلغه بالقرار فالجماعة على عكس ما اعلنت عدم خوضها الانتخابات الرئاسية، رأت التراجع عن القرار والسبب كما يقوله ثروت لمؤمن أنا "الشخصيات التي كان من المقرر دعمها تراجعت عما اتفق عليه واحد تلو الآخر"..
ثروت لم يبلغ مؤمن في هذا اللقاء الغامض فعلا هذا القرار الا أنه كان واضحا من حديثه هذا الأمر لكنه أبلغه بموعد اجتماع الجمعة في مقرهم الجديد على كورنيش المعادي – تغيير للمكان من المقطم للمعادي- ويبدو أنه كان بحاجة إلى هذا اللقاء لتحقيق حاجة في نفسه، وإذا ما كان مؤمن من الممكن أن ينفذها أو لا، وهذا مالم يقله فرغلي إلا أنه ألمح إليه بحديث ثروت المقتضب.
المشهد الثاني أو الفصل الثاني في العمل الرائي "البداية" هي بمثابة حالة توصيف لواقع الجماعة وليس هذا فحسب بل حال مؤمن نفسسه وبدلته التي جاء بها من السعودية ولايخرجها الا في المناسبات.. ليظهر في هذا المشهد الرجل الكبير أو الشيخ الكبير "نضير" والذي يصفه بأنه "من المؤسسين للجمعية، تم انتخابه بعد رحيل زعيمها السابق حسن العريان"، وطاقيته الصوف على رأسه – في إشارة إلى محمد بديع برداء رأسه الشهير- ثم يظهر في المشهد بقية أعضاء الجماعة البارزين الذين سيكشف عن حقيقه كل منهم بإشارة أو كلمة أو تعريف، الدكتور جمال السرحان – حسن البرنس- بنظارته، محمد العجلاتي بحدته – محمد البلتاجي-المسئول عن قسم الشباب في الجماعة، وفيما بعد "أحمد أبو ركبة" –أحمد أبوبركة- محامي الجماعة.
خلال العمل لاينسى أيضا أن يجري اشارات لرجال النظام القديم ورأسه والذي يتحدث عنه رجاله تحت مسمى "الرجل الكبير" مره " الزعيم العجوز أخرى"والذي كان يتابع المشهد من منتجعه الدائم لكنه هذه المرة يجعله غربا لاشرقا.
سيذكر أيضا قصة التوريث التي كانت أحد مسببات الثورة في 25 يناير والتي يتحدث عنها الكاتب على لسان كل ابطاله تحت مسمى الانتفاضة، وفي المشهد السادس للعمل والذي يأتي بعنوان "الوريث" يتحدث عن "كمال" – جمال- والذي يقدم له توصيف يحيلك باتجاه وريث آخر في دولة أخرى ورث فيها الحكم أيضا قبل أن يثور شعبه عليه.. يصف كمال بأنه" شاب في نهاية الثلاثينيات من عمره درس طب العيون في لندن لكنه لم يعمل به سوى بضعه أعوام".
خلال العمل يفند حالة العجرفة التي وصل اليها الوريث حتى بعد اقصائهم عن مشهد الحكم.. فيصف جالة تعامله مع الحرس القديم في الحزب، رجال الزعيم العجوز، ولا يخلو الأمر من اشارات سريعة للحال الحاصل.
وفي الراوية يعمد لإلى توصيف حال الصفقات التي جرت خلال الفترة برؤيته وبحال به مزي من التخيل الروائي الممزوج بالحالة الواقعية، ويحكي كذلك واقع الشباب ما بين شباب ثوري متحمس وآخر مسيس، لكنه في نفس الوقت ينسج قصة حب بين ابن الشيخ "ثروت" وزير مالية الجماعة والمتصرف في أموالها، "جهاد" والذي يدير عن والده المصانع والأعمال والأشغال، وبين "جنات" ابنه رجل أعمال شهير، التي أسست من مالها الخاص أو بالأحرى من قرض بضمان ودائعها حزبا سياسيا جديدا.. والغرابة أن اللقاء الأول يأتي في البنك الذي تقصده هي للحصول على القرض بغية تأسيس الحزب، ويقصده هو بغية سحب 5 ملايين دولار من أموالهم لتمويل الانتخابات الرئاسية.
وستسير الاحداث لتموت جنات في اعتصام الشباب امام القصر الرئاسي وما تبعه من اشتباك ومحاولة لفض الاعتصام، الامر الذي يحدث تحولا دراماتيكيا في حياه جهاد الذي ينضم لحزبها لاستكمال مسيرتها.
وبين المؤمرات والدسائس التي يقوم بها رجال الجماعة من ناحية وضعف مؤمن رئيس الدولة وتنفيذه للأوامر التي تصله نت قيادة الجماعة، وحالة الغضب الجماهيري ضد القصر وحكامه الجدد تدور قصة العمل بحالة من التشويق حتى يأتي اليوم المشهود مر عام على حكم مؤمن جميع رجال الجماعة الكبار في الحفل الذي من المقرر ان يلقي خلاله مؤمن خطابا هو الأخير، وهنا يلقي قائد الحرس القبض على قادة الجماعة، بينما يتحدث مؤمن في خطابه الذي قد يكون الاخير ويقلب الطاولة على جماعته.. فهو طوال الاحداث لايقتنع بما يجري لكن ينفذ الأوامر ببلاهة متناهية.. حتى هذا اليوم الفاصل وقرارات يعلن عنها منها اعتقال كل من تسبب في احداث القصر الرئاسيظن وتقديمهم للمحاكمة العاجلة بل ويقول ستتعجبون انهم من قادة جماعتي ويدعو الجميع الى حوار مجتمعي يضم الجميع، ثم تعطيل عمل الدستور واختيار لجنة يتوافق عليها الجميع لوضع دستور جديد يرسخ بناء دولتنا "المدنية الحديثة".
بالطبع خطاب مؤمن هذا كان لابد أن يؤدي به الا الاستهداف وهو ما حدث عبر أحد بلطجية الجماعة الذي استخدم هو ورجاله خلال الفترة الماضية "فوزي الجن" والذي سيسعى لاستهادف موكب مؤمن بالآربي جي وغيرها من الأسلحة المتطورة.. لكن وقبل أن يصاب مؤمن المنياوي يستيقظ من نومه ليجده حلما أو كابوسا طويلا جدا.. لكنه وبعد صلاته الفجر في المنزل يتوقف لدى بائع الصحف ليجد المانشيتات "جمعية الاصلاح والتنمية تقرر خوض السباق الرئاسة في مصر" الأمر الذي يصيبه بضحك هستيري يلتفت له الجميع.
-
ولاء عبداللهصحفية مصرية متخصصة في الشئون العربية . عملت فترة طويلة في الصحافة الثقافية . مدربة معتمدة من مؤسسة "D W"الألمانية سافرت إلى عدد من الدول العربية " ليبيا، العراق، الكويت، الإمارات" في تغطيات صحفية صدر لي كتاب "جبرتي الثقاف ...