كنت في حوار مع امرأة من معدن خالص يقطر صدقا و صبرا و احتسابا في زمن التحدي أن تتساءل قليلا عن إخفاقات الحياة و ضغوطاتها ، بل لتفصح عن الكثير مما مر عليها و هي سائرة على سكة التقدم نحو ذاك المرتفع من قمة الخوف ، تريد أن تهدأ نفسها و يطمئن قلبها ، و تريد أن تسمع صوتها لآخر نقطة من ارتداد الصدى غير قائلة للحقيقة المتعبة ..حقيقة أن كل ليس في مكانه كما و لابد أو ربما المسألة مسالة حظ ليس الا .
دعيني أحررك سيدتي من قيد الكلام ، دعيني أنقل صرختك التي كتمتيها بسبب خوفك من حضارتك أن تنقلب عليك و قد كتمت الكثير من المتاعب ، كم يشق علي أن انظر الى نزاعك مع قلمي و القيد يمنعك من الصراحة قائلة لي : حرريني من قيود العذاب و اليأس معا .
لن أخبرك عن طريقتي سيدتي في تحريرك بل انتبهي فقط لتموجات كلامي معك ، بجنب صفحاتي البيضاء التي ستنقلك الى رحلة اليقين و الاقتناع من أن بعض من مغامراتك الخاطفة و أنت في طريقك نحو هدف غير معروف و لا قدر غير مفهوم كانت رحيمة و فيها الكثير من الحكم و العبر ، و سنأخذ أمثلة منها .
اسمعي مني مختصراتي و انفضي عنك غبار الخجل و الخوف سيدتي فمثلك مقامه في هرم الصمود ليس بنازل الى أرض لا تسع أنفاسك محترمتي، كفكفي دموعك و ابتسمي من قلبك و ان خانتك صحتك في الاعتراف أنك غير قادرة ، ففضلا انتبهي و افهمي ما أنا قائلة في تدرج الحرف و المعنى معا ..أشعلي شمعة الأمل من أمام أحرفي و استمتعي بلحن الأمل في هدوء ، و تخيلي نفسك في احدى هذه المواقف :
فقد لا تعينك ظروفك حال شدة مرت عليك و ابتعد الكل عنك و أنت في قمة مبارزتك للظلام : بسيطة استعيني بالله و لا تعجزي ، و استمري في تحدي الصعاب حتى تتجاوزينها باذن الله و بحنكة صبرك و حكمة قرارك في وقته المدروس ،تخلي عن اعتمادك على الناس ، اعتمدي على الله و على نفسك و انطلقي.
قد يطعنك القريب بغتة دون سابق انذار و كان وقع الألم كبيرا جدا فلم تتقبلي هذا الفعل : بسيطة قومي و ضمدي ألمك بيدك لتتعلمي كيف تسكتي بكائك بنفسك دون ملاحظ لك .
قد ينفذ مالك و أنت في قمة حاجتك لتسديد حاجاتك اليومية : بسيطة صلي على النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا و اعتكفي ليوم أو يومين صدقا طاهرا لربك و أنت تخشعين في صلاتك و أكثري الدعاء دون ملل .. سيمتلأ جيبك من حيث لا تدرين .
قد تذهبين لإجراء عملية جراحية و لم تجدي مرافقا يشجعك و يمسك بيدك وقت تستفيقين من التخدير : بسيطة اذهبي لوحدك بعد أن تصلي ركعتي حاجة و ادعي ربك أن يكون معك في كل خطوة ، سيسخر لك جراحا متواضعا و ممرضة طيبة و مريضة مثلك تجدين سريرها مقارب لسريرك في الغرفة و هي من ستنادي عليك لتسألك ان ما كنت تشعرين بالألم أم لا بعد الاستفاقة ..تشجعي فالله سيكون أقرب اليك ممن ظننت أنه الأقرب .
قد تتعثرين في مناقشة بالجامعة و تجدين من يعطل أكثر ممن يشجع : بسيطة استغفري الله كثيرا و تجاهلي قصدهم في ايذائك حتى تتجاوزي الأمر بغير شعور لا للوقت و لا للفعل..الله من يسهل و ليس البشر فاحسني التوكل عليه.
قد تطردين سيدتي من عملك و توقفين تعسفا و تبكين أسفا لسنوات التعب في الدراسة و الاجتهاد في العمل : بسيطة اعتبريها فترة راحة لجسدك و لذهنك و استغلي الظرف في قراءة القرآن و السعي نحو شيء آخر ما دام لك شهادات و لديك قدرات ، فالرزق لا ينتهي عند من ظننت أنه المكان الوحيد لعملك .
قد تشعرين بضعف كبير لكثرة الهموم و المشاكل و تبقين حبيسة أفكارك السوداء و لا تستطيعين التخلص منها : بسيطة ، خصصي لك ساعات للتسبيح و زيارة المرضى ، ستجدين نفسك أنك في مقام أدنى منهم في الابتلاء فتخجلين من نفسك و تعودين أكثر قوة شاكرة لله أنه كان لطيفا معك في ابتلائه .
قد تشعرين سيدتي أنك في مجتمع ذكوري لا يؤمن بطموحك و لا بالتزامك و ينظر للباسك الشرعي نظرة رجعية أن فكرك قديم و لا يتناسب مع موضة العصر : بسيطة ابتسمي و لا تشرحي قناعتك لأحد ما دمت في رضى الله ، فرضى الله لا يشترى و لا يفسر لأحد .
ببساطة ، تعلمي أختي أن تقبلي ما أنت فيه بكثير من الرضى و أن تستعدي للتحدي بكل شموخ و رفعة رأس للسماء ، وجهي نظرك لمن يرى عزة نفسك و يسمع تلهف دعائك في الليل و الناس نيام ، ركزي على هذه العلاقة الرائعة بينك و بين خالقك و لا تهتمي لما يقال عليك في مجالس اللغو و النميمة ، ابتعدي قدر المستطاع عما يعكر مزاجك ، فديننا يأمرنا أن نعتزل ما يؤذينا و ليس أن نتحمله ، سيحي في الأرض و تأملي في جمال البحر و الشجر و الورد ، المسي بأناملك ذاك الابداع الذي يجعلك تتفوقين على مشاكلك و ظروفك بلمسة حنان من الطبيعة الصامتة ، ستدركين أن مشاكلك هي و الله كالسحاب عابرة، و عند استرجاعك لشريط الذكريات معها ستضحكين على نفسك أنك كنت تخافين أكثر مما كنت تواجهين الواقع كما هو .
عزيزتي ، الحياة لم تصفو للأولين حتى تصفو لنا ، ولم تؤتى على أطباق من يسر حتى تؤتى لنا ، ما فقدناه ليس لنا فيه نصيب و ما نلناه كان لنا فيه نصيب ، ما ضاع منا من صداقات و فرص و متاع ، كله كان لفترة زمنية محددة و انتهى أجلها معنا ، فلما الحسرة على ما لم يكن بالدائم ؟.
انتبهي لدينك و حسني علاقتك بربك فتلك و الله أكبر و أضمن صفقة تدوم و تطول و هي من ستخلد وجودك في الحياة ببصماتك الطيبة و المتواضعة ....اسعي في الحياة بأخذ أسبابها و لا تتحسري على ما لم تصلي اليه لأنها ببساطة لم يكن لك مقدار في نيلها..و ما كنت تعتقدين أنه خير ربما كان شرا و لم تكوني تدرين ، لذلك لا تندمي ،لأن الله أدرى بالخير و الشر ..تقبلي الحياة ببساطة و لا تجزعي ،فالجزع من الضعف و المؤمن قوي مهما واجه من صعاب ، فنحن في الأخير راحلون و كل شيء منته ، فعلى ما البكاء و الكل زائل الا الله فهو الدائم الكريم في ملكه .
دمت بود .
-
.سميرة بيطاممهتمة بالقضايا الاجتماعية