قررت يوما أن استضيف نفسي في حفل عشاء مميز للتعرف عليّ ، فلم أتذكر أنا جلسنا جلسة مصارحة ومكاشفة أبوح له بها عن مشاعري وأحاسيسي وأرتمي في أحضاني، ذهبنا إلى ذلك المطعم الفاخر الذي لا تسمع فيه إلا صوت خرير الماء وزقزقة العصافير، جلسنا في زاوية المطعم، أطرقت النظر إليه فأحسست أني أعرفه جيدا وأجهله كثيرا في نفس الوقت، بدأنا بالأحاديث الودية والصادقة، أعربت له عن مدى حبي له وأني مقصر في حقه، ثم تبادلنا عدة ملفات ساخنة، لم تكن انشغالاتنا عن بعضنا تتيح لنا الجلوس على طاولة المفاوضات، فأصواتنا تلاشت وسط الضجيج والصخب من حولنا.
بدأنا بالفضفضة والبوح، واشتكى لي من تقصيري في حقه، صارحني بواقعه المرير، وحياته العشوائية، وحقيقة لم أكن أشعر أنه بهذا السوء، فقد كانت كل مشاريعه مؤجلة، ملفات قد اهترأت وأبّْلاها الزمن، وملفات قد أغبرَّت وتشتتت، وملفات تنتظر التنفيذ،... وبينما يحدثني عن همومه ومشاكله واخفاقاته انهمرت دموعي عليه ووجدتني بين أحضاني أعتذر لي، وأعاهد نفسي أمامني، بأن أكون مخلصا وقريبا مني.
قد تأخذنا الحياة بعيدا وتنسينا أنفسنا، فنتوه في زخم الحياة، تاركين أنفسنا تئن وتعاني وتصرخ دون أن نلتفت إلينا.
قال عمر بن الخطاب –رضي الله عنه-: ".حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، فإن أهون عليكم في الحساب غداً أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتزينوا للعرض الأكبر، يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية".