من يرى النجاح الكاسح لروايات هاري بوتر، والأفلام المستوحاة منها، ويعلم أن قيمة العلامة التجارية لهاري بوتر تزيد عن 15 مليار دولار، سيعتقد أن النجاح سهل وبأن مؤلفة السلسلة، ج. ك. رولينج، إمرأة محظوظة توفرت لها كل سبل النجاح. هذا ما نعتقده دوما حين نسمع بقصص النجاح، دون أن نبحث عن البدايات الحقيقية، البدايات التي غالبا ما تكون سلسلة من الإخفاقات والفشل.
جوان رولينج لم تكن استثناء. هي قصة نجاح بعد فشل، هي تمثيل بارز للنهوض من الفشل والتحليق في عالم النجاح، وريادة الأعمال، بعد المعاناة لسنوات.
كانت هوايتها المفضلة هي التأليف، وقد كتبت قصتها الأولى وهي طفلة في السادسة من عمرها. لكنها نزولا عند رغبة والديها، أجلت حلم احتراف الكتابة وبدأت تتعلم الفرنسية لتزيد من فرص حصولها على وظيفة سكرتيرة. وذلك ما تم لها بعد إكمالها الدراسة إذ اشتغلت كباحثة وسكرتيرة لدى منظمة العفو الدولية. غير أن الكتابة بقيت هوايتها التي تمارسها بشكل يومي، ولم تكن الوظيفة إلا شرا لا بد منه.
بعد أربع سنوات، وتحديدا سنة 1990، تركت وظيفتها مرتحلة مع صديق لها. في تلك السنة جاءها إلهام قصة هاري بوتر في إحدى رحلات القطار الذي تأخر أربع ساعات، ولم يكن معها حتى قلم لتسطير ما تفكر فيه، فقضت تلكم الساعات تتخيل تفاصيل العالم السحري لهاري بوتر. غير أنه عند متم تلك السنة أيضا، توفيت والدتها، فكانت تلك خسارة فادحة لها، أضفت طابعا من الحزن على شخصية هاري بوتر.
سافرت جوان رولينج بعد ذلك إلى البرتغال للعمل كمدرسة لغة إنجليزية. فكانت تدرس مساء وتقضي الصباح في الكتابة، مسطرة المزيد من تفاصيل الرواية الأولى من عالم هاري بوتر السحري.
في البرتغال تعرفت جوان على زوجها الأول، غير أن الزواج لم يستمر إلا عاما واحدا وشهرا، عانت فيه جوان من العنف الممارس عليها من زوجها، فلجأت إلى حماية السفارة البريطانية قبل أن تنتقل نهاية سنة 1993 إلى إدنبرة لتعيش مع أختها، ومعها ثلاثة فصول من رواية حجر الفيلسوف، وطفلة عمرها خمسة أشهر.
تقول جوان عن تلك الفترة، حيث أصيبت بالاكتئاب وفكرت في الانتحار، بأنها الأسوء في حياتها؛ فشل عارم، زواج محبط، عطالة عن العمل وطفلة رضيعة لا تكاد تجد ما تسد به رمقها، إلا ما يصلها من الإعانة الاجتماعية للحكومة. لكن ذلك الفشل كان مفيدا أيضا. تقول ج. ك. رولينج عن ذلك:
”عنى لي الفشل التخلص من كل ما هو غير ضروري. توقفت عن القول لنفسي أنني أي شيء آخر عما أنا في الحقيقة، وبدأت أوجه كل طاقتي لإنهاء العمل الوحيد الذي كان يهمني. إذا كنت نجحت في أي شيء آخر، ربما لم أكن لأعثر على التصميم على النجاح في المجال الوحيد الذي انتميت إليه حقًا. قد تحررت؛ لأن ما كنت خائفة منه تحقق، وكنت لا أزال على قيد الحياة، ولا يزال لدي ابنة أعشقها، وآلة كاتبة قديمة وفكرة كبيرة؛ وهذا شكّل أساسا صلبا لأعيد بناء حياتي عليه.“
الوصول إلى القاع غالبا ما يكون دافعا للتحليق نحو القمة، فهو يحرر المرء ويمنحه الفرصة للولادة من جديد. وذلك ما فعلته جوان رولينج إذ حررها الفشل من خوفها وخلصها مما يثقل عليها، فتفرغت للشيء الوحيد الذي تريده: الكتابة.
بعد شهور من المعاناة والتنقل بين المقاهي للكتابة، متى وحيثما نامت طفلتها، انتهت ج. ك. رولينج في صيف 1995 من رواية هاري بوتر وحجر الفيلسوف. فبدأت سلسلة أخرى من المعاناة إذ رفضت إثنتي عشرة دار نشر مختلفة نشر الرواية، واحتاجت الكاتبة إلى الصبر عاما إضافيا قبل أن تجد ناشرا يقبل بنشر روايتها الوليدة.
ما كانت لتحصل على تلك الفرصة لولا أن مدير دار نشر بلومزبري عرض فصولا من الرواية على إبنته ذات الثمان سنوات فشغفت بها حبا. مع ذلك لم يكن الناشر متحمسا للكاتبة كونها امرأة فطلب منها إخفاء إسمها والنشر بالحروف الأولى حتى لا ينتبه القراء إلى أن المؤلف امرأة. فاختارت جوان رولينج النشر بإسم ج.ك. رولينج.
صدرت الرواية مع بداية صيف 1997 في لندن، وعمر الكاتبة 32 سنة، وبعد أشهر من الركود والمبيعات المنخفضة، بدأت بشائر النجاح تظهر، والجوائز تتقاطر ثم جاء عقد النشر في الولايات المتحدة، وبدأت جوان أخيرا تتذوق طعم النجاح.
توالت روايات هاري بوتر على مدى الأعوام الموالية، وتحولت إلى أفلام، وحصدت الجوائز، وصارت الكاتبة شخصية عامة صنفت سنة 2010 بأنها أكثر النساء تأثيرا في بريطانيا، وحسب تصنيف فوربس لسنة 2004 فإن ثروتها تجاوزت المليار دولار، لتكون بذلك أول كاتبة تصبح مليارديرة!
تساهم جوان رولينج في أعمال خيرية متعددة، وقد أسست سنة 2001 صندوقا إئتمانيا للأعمال الخيرية يوظف سنويا ما يزيد عن المليونين دولار، لمحاربة الفقر وعدم المساواة. تقول جوان عن ذلك: ”أعتقد أن على المرء مسئولية أخلاقية، عندما يُمنح أكثر مما يحتاج، لاستغلال كل ما أوتي في القيام بأعمال ذات مغزى ومنح الآخرين بذكاء.“
هذه القصة وردت ضمن كتاب "لا تكن كبشا (نهاية الأمان الوظيفي وآمال ريادة الأعمال)". هذا الكتيب المجاني سيعطيك الدفعة الأولى لتتحرك وتتغير لتبدأ رحلتك الريادية، وتحلق عاليا في سماء النجاح.
التعليقات
اعجبني سطر ...الوصول إلى القاع غالبا ما يكون دافعا للتحليق نحو القمة، فهو يحرر المرء ويمنحه الفرصة للولادة من جديد
تحياتي لك
المعاناة تولد الإبداع .. شكرا