واحداً كاملاً.. من القطار
من القطار
نشر في 12 ديسمبر 2017 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
كان أشد ما لفت أنتباه الفتي حين استقل ذاك المقعد الذي توسط عربة القطار ..
هذان الزوجين الذان طاف بهما الزمان في غياهبه ..
للوهله الأولي حين تمر بجوارهما لن تشعر الا بشعاع يخترق حواجب قلبك .. شعاع لا تدري كيف يختلج قلبك هذا النور الدَفِئ فينير أوصاله . فتعرف من نورهما الطاغي أن الله قد أرخي نعيمه علي الزوجين . تعرف من ذلك النور ايضا أنهم عباد له صالحين .. أحبهم _سبحانه_ فأحبوه .. فأغدق عليهم حباً غمر أوصالهما.
ذاك الرجل الذي أشرق وجهه بنور الصلاح ذو اللحيه التي دب فيها الشيب فزاد وقاره وقاراً ..أما بجواره فكانت زوجته طيبة القلب التي تشعر وللوهلة الأولي و بدون أي تردد أن صفاء قلبها قد ملأها و أفاض علي ملامحها حتي تظن أنها تحوي من الحنان ما تحمله أمُك .
كانت جالسة بجواره مستندة عليه وكأنها منه مستمده لقوتها وأَمنَها .. أما هو فكان مستمداً من حنانها جَلَداً جعله قادراً علي تحمل نوازل الدهر و مصائبه .. وكأنهما ليسا أثنان بل واحداً متكاملا لا يشوبه شائبه ولا نقصان فيه.
بين الحين والأخر تراه يمد يداه مداً خفيفا خفيةً أمامه حتي لا يشعر به أحدٌ سواه _سبحانه_ وكأنه رافعا أياها الي سماء الله .. و يرفع بصره حينها الي سماء الله راجيا .. تري شفتاه تتمتم بكلمات .. فتعلم إذا ما رأيته كله أنه يدعوا الله و يتضرع اليه .. لن تسمع تضرعه و لن تسمع إلحاحه .. لكن من يسمعه من بني آدم من هي علي يساره فقد كان بين الحين والأخر ينظر الي عينيها _أمرأتهُ_ ولا تدري كيف تنظر و ينظر هو في نفس الوقت .. كيف تتلاقي أعينهما هكذا .. بم يشعرون حينها وماذا تحمل هذه النظرات , تري زوجته شاخصة ببصرها أيضا الي السماء مأمنة علي ما تسمع من دعاء زوجها .. ثم ناظرة الي عينيه .. أما أنها تستمد منها أمنها وأمانها .. أو أن لسان حالها أنه و بفضله سيجيبنا .. لن تدري أبداً _حتي وإن شرح لك الزوجين _ ماذا يحدث.
لا يدري الفتي أيكون ضراً قد مس أحد أبنائهم .. أم أنهم في أنتظار مولود لأبنةٍ لهم فيخافون علي ما قد يصيبها أثناء ولادتها .. هذه هي الأحتمالات التي طرأت علي عقل الفتي الضئيل والتي صاغها له . لكن ما هو مؤكد للفتي حينها أنهم محتاجون الي سيدهم .. محتاجون إلي مولاهم .. الذي طالما أنجاهم و أحياهم حياةً طيبةً و أهنأ قلبهم بحب دام بينهم .. بعائلة ملأت دنياهم .. بستر أرسله عليهم ..
حتي جرت المحطات موليه .. وجائت محطتهما .. فوقف و نظر اليها .. فألقت اليه بيديها حتي أقامها واقفة .. ثم أستندت علي ذراعه وأخذا يمشي بهدوء حتي نزل ..
حينها عَمّ الظلام.....
-
احمد الخليلے* front-end web developer * بدرس مقارنات الأديان * طالب في كلية هندسه لحد ميجيبوا طالب