هنالك الكثير الذي لا يتفق فيه صاحبنا مع القائد النازي أدولف هتلر، ومنها قولته المشهورة: "إن الناس يحنون إلى الماضي، ولو عاد الماضي إليهم لكرهوه"، فها هو صاحبنا يجر الخطى نحو فندق السياحة القريب من محطة الأمير عبد القادر وهو يمشي كل ماشية الخيزلى ويمتطي عصا التسفار ويجر من خلفه حقيبته بعد أن نزل من القطار الذي أقله من الدار البيضاء لمدينة مكناس حاضرة المملكة المغربية. لم يسترح صاحبنا بالدار البيضاء من جراء السفر المضني من مدينة كولومبوس الحالمة - عاصمة ولاية أوهايو الأمريكية - إلى الدار البيضاء مروراً بمطار مونتريال الكندية. لم يسترح بمدينة الدار البيضاء وكان يقول لنفسه: إنما الراحة بمكناس، التي منذ أن وطئت قدماه فيها إلا وأحس بأن الزمان قد عاد به إلى الوراء سنين عدداً وكان هذا مبعث راحة نفسية له خلافاً لما كان يعتقده الزعيم النازي هتلر، ونتيجة لحب صاحبنا الشديد للتاريخ القديم للمغرب العربي ولبلاد الأندلس فلقد كان في غاية السعادة والحبور في الأيام القليلة التي قضاها بمكناس الزيت والزيتون.

كانت وما تزال مدينة مكناس تعد حاضرة من حواضر مملكة المغرب، وهي عبارة عن أسوار تحكي عن تاريخ مدينة عريقة من خلفها. فلا تلحظ خلف تلك الأسوار إلا الأزقة الضيقة والحوانيت القديمة التي تجعلك تحس وكأنك تعيش في قرون سابقة طويلة المدى، لكنك منذ تجاوزك لأبواب السور فإنك تنتقل من زمن إلى زمن آخر. واسم مدينة مكناس باللغة الأمازيغية تعني المحارب، ولقد كانت هذه المدينة الفاتنة من قبل عاصمة للعلويين، ولقد حرص العلويون على عمارتها حتى استقطبت أنظار الناس. حتى أنه في نهاية القرن السابع عشر وبداية القرن الثامن عشر كان الملك مولاي إسماعيل قد حرص لتحويل هذه المدينة لمدينة جاذبة لكل الناس ليضاهي بها مدينة فرساي الفرنسية آنذاك والتي كان الملك لويس الرابع عشر يحرص على أن تكون مدينة فرساي أجمل مدينة بأوروبا. وفعلاً فإن مدينة مكناس ضاهت مدينة فرساي وكان الملك مولاي إسماعيل قد استقطب لها الكثير من القبائل التي كانت تحيط بها وحولها لمدينة عظيمة، بل جعلها عاصمة لدولته.

من أدهش آثار هذه المدينة التي تدهش السواح باب المنصور الضخم المشهور بنقوشه الفسيفسائية، والقصر الملكي بأسواره العتيقة، وضريح مولاي إسماعيل، ومسجد بريمة، وسيدي عثمان، والقصر الجامعي الذي يعد متحفاً للفن المغربي. فمدينة مكناس تزهر بتاريخ عريق تحكي عنه أسوارها وأبراجها ومآثرها التاريخية التي ظلت شامخة شموخ جبال الأطلس وجبال زرهون التي تحيط بها من كل ناحية. ولقد استحقت مدينة مكناس بما تحضنه من مآثر تاريخية مهمة أن تسجل لدى منظمة اليونيسكو في قائمة التراث العالمي منذ عام ١٩٩٦م.

أيام قليلة قضاها صاحبنا بمكناس الزيت والزيتون، كان رفيقه فيها سائق التاكسي العم حسن بن مبارك وهو خبير بتاريخ مكناس، ثم غادر صاحبنا مكناس من محطة الأمير عبد القادر نفسها والتي كانت لها الفضل في أن تكون البوابة التي دخل من خلالها للعصور القديمة قبل أيام قليلة ولسان حاله يقول:

بمكناس قد رأيت الحياة

وبسمة حب ودمع سجاء

وأعينهم تستدر الدموع

وما بعد قول العيون كلام

رأيت جمال الحياة هناك

وطيب المقام وفيح الغمام

بأن شاع نور الهدى واليقين

وما خلفوه المسلمون العظام

ثم صحى صاحبنا بعد سويعات قليلة على جرس القطار بمحطة "كازا فويجير" بالدار البيضاء وهو لا يدري إن كان ما رآه من جمال وأصالة تاريخ مكناس القديم حلماً كان أم حقيقة إلا بعد أن رأى صاحبنا صديقه المغربي عبد الله يس من خلال نافذة القطار وهو ينتظره بالمحطة، ولقد ازداد قناعة صاحبنا بأن التاريخ قد عاد إلى زمانه الحالي بعد أن جال ناظره في مباني مدينة الدار البيضاء ذات الطراز الغربي الحديث.

م. حسن زمراوي محمد

الدار البيضاء - المملكة المغربية

السبت ١٥ فبراير ٢٠٢٠م

‏IbnZumrawi@gmail.com