أطلتْ الشمسُ كملكةٍ، و تطلعتْ إليها العيونُ عالياً حيثُ عرشهُا السماء، و أدخلتْ يدها في جيبها و أخرجتْ لآليءَ و دنانيرَ من ذهبٍ و نثرتهم عطايا من العلياء، رفعتْ الشجرةُ أغصانها و فتحتْ قلوبَ أورقها تستقبلُ هدايا ملكةِ النورِ لتبدأَ يومها ،و قدْ تشرفتْ و تزينتْ بالبهاء. لمعتْ من وسطِ صخبِ رفيفِ الشجرةِ الفرحةِ بالصبحِ … خيطانٌ بدأتْ تأسرُ بعض من فرحِها و تمنعها فجأةً عن الحركةِ و النداء. و إذ بعنكبوتٍ قدْ بدأَ ينسجُ نجمةً ذهبيةً على طريقتهِ الخاصةِ، و لا زالتْ خيطانهُ الذهبيةُ تتسللُ خلسةً تأسُرالأغصانَ الرفيعةِ و الأوراقَ الغضةِ خلفَ قضبانِ شبكتهِ . تعاطفتُ كثيراً مع الأورقِ و الأغصانِ، و بدأَ القلقُ و الأسفُ يملؤني لِما آلتْ إليه سمفونيةِ الشجرة ِالفرحةِ كما لو كانتْ عروسٌ قدْ أعدتْ لحفلِها كلَ ما يبهجُ، و إذْ بطاريءٍ بغيضٍ ينغصُ فرحها . و لكنَ ذلكَ العنكبوتِ النشيطِ الذي أخذَ يدورُ بينَ الخيوطِ برشاقةٍ أنيقةٍ ودقيقةٍ بدأَ يسلبُ انتباهي و يستحوذُ على إعجابي . بدأتْ الخيوطُ الذهبيةُ المتأرجحةُ معْ كلِ نسمةٍ تتراقصُ تعكسُ أنواراً كأنها رسائلُ غراميةٌ لحبيبٍ غائبٍ أوأشاراتٌ ضوئيةٌ لعابرٍ سبيلٍ ضلَ الطريقَ. كنتُ أنتظرُ أنْ ينتهي العنكبوتُ من نسجهِ و قد غشاني الإنبهارَ و نسيتُ أين كنتُ ذاهبةً ذلك النهارَ، و لكنه لم يتوقفْ يُنَقِّلُ قدميهِ الرفيعتين من خيطٍ لخيطٍ و يقفزُ حيناً آخرَ ليشبكَ خيطاً بآخر ،و لستْ أدري لم تذكرتُ راقصةَ الباليه النحيفةِ الرشيقةِ و هي تعلو حيناً و تهبطُ حيناً كالفراشة . أنعشتني تلكَ النسمةَ الباردةَ و الريحَ الخفيفةَ التي أثارتْ شجونَ الشجرةِ فدقتْ الأوراقُ الدفوفَ، و أهتزتْ الأغصانُ تتمايلُ على وقعِ الموسيقى ،و منْ على جانبي طارَ غصنٌ جافٌ رفيعُ صغير -ودعه الشبابُ و ألقى بهِ الصيفُ على الأرضِ- طارَ على جناحِ النسمةِ المسافرةِ، و قدْ أسكرتهُ نشوى الحفلِ الغنائي ليعانقَ الشجرةِ و أوراقها يودعها الوداعَ الأخير، و لكنْ بوصلتهُ الهرمةَ رمتهُ في أحضانِ بيتِ العنكبوت. زفرتُ الآهَ كسهمٍ اخترق ضلوعي و أصابَ قلبي بالوجعِ… لست أدري أخوفأ على النجمةِ الذهبيةِ الجميلةِ التي زينتْ صدرَ الشجرة؟ أم خشيتُ من غضبةِ العنكبوتِ على الزائِر الغريبِ الغاصب؟
لمحةُ بصرٍ و انهارتْ كلُ مداراتِ النجمةِ الذهبية، و تناثرتْ خيوطُها مع نسمةِ الهواءِ الباردةِ، وعلقتْ في كلِ ناحٍ كسفينةٍ دمرتها عاصفةٌ هوجاءُ، فتناثرتْ أشلاءً على كفةِ اليمِ الصاخب. تسمرتْ عينايَ على العنكبوتِ الذي لم يكفْ للحظةٍ عن العملِ و الحياكة، أيغضبُ ... أم ْيبدأُ بالبكاءِ …… و لكنْ لدهشتي ….. و لأنفاسي التي بدأتْ تهدأُ، قفزَ العنكبوتُ لغصنٍ بعيدٍ .... و بدأ من جديد … بالنسجِ …و بالبناءِ
-
راوية واديكاتبة و رسامة فلسطينية .مدونتها الخاصة علي الإنترنت Rawyaart : (https://rawyaart.com) متفرغة للكتابة و الرسم في الوقت الحالي.