توجه إلي في الفترة الأخيرة في أكثر من مجلس وأكثر مكان سؤال: (متى بدك تجيب الدكتوراه؟، حتى نصير نناديك يا دكتور)
يلاحظ أن الدكتوراه في زماننا وفي مجتمعنا أصبحت مظهراً من مظاهر التفاخر والتباهي الاجتماعي كغيرها من القيم والأشياء والظواهر التي فقدت جوهرها وقيمتها بفعل المظاهر الخداعة البراقة.
لقد أصبح حرف الـ(د) الذي يسبق الاسم يطارد الكثيرين، ويشكل لهم هاجساً. وأصبحت الدكتوراه هدفاً عند البعض من أجل الحصول على ذلك الحرف الذي يسبق الاسم، أكثر من حرصه على الدرجة العلمية ذاتها، حيث النقلة النوعية في علمه وثقافته ورصيده المعرفي.
لم يعد يهتم الناس ـ بل المجتمع الأكاديمي أيضاً ـ بالدرجة العلمية، وأهميتها، إنما يهمهم ويعنيهم المظاهر السطحية واللقب. إن الذي شجع على ذلك تفشي "فيروس الدراسات العليا" الذي انتشر انتشار النار في الهشيم في العديد الجامعات، وإقبال المتردية والنطيحة من الطلبة على الدراسات العليا، مما جعلهم يشكلون إضافية كمية ـ لا نوعية ـ على أصحاب الشهادات العليا في المجتمع.
كم من شخص حاصل على درجة الدكتوراه، لكنه يعتبر عبئاً على الدرجة العلمية، إذ هي تحمله بدلاً من أن يحملها ويعمل بها.
حتى الأبحاث التي يعدونها وبفضلها يحصلون على الدرجة العلمية، تجدها تتناول موضوعات سطحية، وباهتة، أو قتلت بحثاً. وتتم مناقشتها بصورة ساذجة تفتقد لأبسط قواعد المناقشة العلمية الهادفة والمتعمقة. فضلاً عن جهل بعضهم بأبجديات البحث العلمي الرصين. وقد مرت علي عاهات عديدة من هذا النوع كان أسوأهم الفصل الماضي عندما جاءني أحدهم يسأل ويستفسر عن: كيفية صياغة مشكلة البحث، وكيف تصاغ التساؤلات، وكيف تحدد أهداف الدراسة، وما هي المناهج وكيف يتم توظيفها في البحث، ولم يستطع التمييز بين أداة البحث ومنهج البحث ومجال البحث!
الملاحظة الثانية أبينها للمحبين والمخلصين في السؤال (لماذا لم تحصل على الدكتوراه؟):
النية موجودة، والجهود مبذولة ولم تتوقف قَط، لكن لا تنسوا أحبتي أننا نقيم في السجن الكبير الذي اسمه (غزة). التي أصبحت كلعنة تطارد قاطنيها في يقظتهم ونومهم، والخروج منها يكون بشق الأنفس، وليتهم يحصلون على هذه الفرصة!
لكن الأمل بالله تعالى كبير، وربما تحمل لنا الأقدار في رحمها خيراً لا نعلمه، أو لم يحن وقته بعد.
قناعتي أن الإنسان يحصل على مركزه الاجتماعي والعلمي بعلمه وثقافته وفكره، وكيف يوصله للآخرين كي يستفيدوا منه، وليس بمجرد الحصول على درجة علمية ـ لا يفيد ولا يستفيد منها ـ والتجربة خير برهان.
سما السوسيولوجيا http://basam79.blogspot.com/2015/03/blog-post_73.html
-
د. بسام أبو عليانمحاضر في قسم علم الاجتماع ـ جامعة الأقصى. محاضر سابق في جامعات: (الأزهر، والقدس المفتوحة، والأمة للتعليم المفتوح، وكلية المجتمع). مدرب في مجال التنمية البشرية.
التعليقات
مآل تحصيلها الرفوف...