يحكى انه في إحدى الغابات البعيدة المحاطة بالجبال و الأحراش الكثيفة كان يعيش شيخ يدعى قتادة نحيل صلب الجسد ذو لحية كثيفة كلحية الأسد.
عرف بحكمته و سعة حيلته و كذا قدرته على تغيير شكل و لون و مذاق الماء.
هي حكمة أورثه إياها ملك السحاب بعدما أقدم على إنقاذه حينما وجده مرميا ملقيا على الأرض يحتضر, تحاصره ألسنة النيران غير قادر على التقاط أنفاسه, ليكافئه كعربون شكر على صنيعه.
طالبا منه التوجه إلى ارض بعيدة لم تطأها أقدام بشر .قائلا له: في سفح جبل تلك الأرض ستجد كهفا محاطا بكومة من الأحجار الكبيرة ,مختلفة الأحجام كأنها حلي مرصعة جميلة. إياك أن تلمسها أو يوسوس لك الشيطان بأخذها , قم بذكر هاته الكلمات:( الماء نماء و عطاء, الإكثار منه داء و قليله دواء) و ستزول من أمامك الأحجار, ليظهر لك طريق ضيق معكوكف. قم بسلكه و عند نهايته, ستجد قطرات ماء مختلفة الألوان ملتصقة بالسقف قم بارتشاف عدد لأبأس من القطرات, شريطة أن تتذوقها كاملة دون أن تهمل لونا حينها ستمتلك قدرة هائلة تستطيع من خلالها التحكم و ترويض الماء.
نفذ الشيخ ما طلب منه بحذافيره ليصبح رجلا ذا بركة و قدرة هائلة.
غير بعيد عن هذه الغابة كانت هناك مملكة يحكمها ملك طاغ يدعى سهاد عرف بعجرفته و استبداده و تفاخره إلا أن مملكته كانت تعاني مشكلة طال أمدها.
حيث مند سنوات طويلة لم تزر الأمطار المملكة. لتجف السدود و تزيد ملوحة مياه الآبار و تتناقص كمية الماء التي اعتاد الشعب استهلاكها.بعد أن سن الملك قانونا جاحفً في حق شعبه.
لكن سكان المملكة نفذ صبرهم الذي طال أمده فبدئوا بالتذمر و سرعان ما تحول إلى تمرد.
لم يعجب الملك سهاد الأمر بل ضاق ذرعا بهؤلاء الثائرين, فطلب من جيشه اسر كل متآمر و بعد مقاومة شديدة ,لم يستطع الجيش دحر و إخماد أصوات الشعب لذا كان ملزمًا بمحاورة شعبه و الرضوخ إلى مطالبه المشروعة.
لذا طلب مقابلة أناس من العامة يمثلون الشعب و يتحدثون باسمه تقدم احدهم و بدأ يفصح عمٌا يريده و يتلاسن به أغلبية الشعب قائلا:
جلالة الملك لا نريد منك مالاً و لا طعاماً كل ما نريده أن توفر كمية من الماء نسد بها عطشنا و نسقي محاصيلنا, و لن نرضى بقسمة ضيزى الظالمة.
ليرد عليه الملك سهاد و مقلتيه يتطاير منهما الشر و كيف لي أن أوفر شيئاً لا املكه الكل يدري بان ماء المملكة مالح غير صالح لأي شيء لذا تطلب منا شراءه بأثمان عالية من أعدائنا .
لينطق احد الرجال كان بين الجموع و هذا بعد أن استأذن من الملك سيدي الملك سمعت كلاماً يتلاسن به أشخاص تابعين للمملكة التي تمدنا بالماء (ستقوم هذه المملكة بالتوقف على أمدادنا بالماء الصالح للشرب و هذا قصد إخضاعنا لسلطتهم ).
فجأة صارت ابتسامة الملك مقتضبة ليرد الملك سهاد قائلا: ا متأكد مما تقول أو إنها مجرد أضغاث أحلام.
فجأة قام مستشاره تميم شيخ طاعن في السن عرف بولائه و إخلاصه المنقطع النضير للملك كان كآثم أسراره و حافظ أختام المملكة قائلا: بلى يا مولاي بل هي الحقيقة تأكدت من ذلك لما زرت المملكة ليفصح لي احد أفرادها النافدين بأنهم بصدد إنهاء التعامل معنا نهائيا, حينها أدركت أن هناك شيء يخاط ضدنا بل تأكدت بقدوم هجمة تلوح في الأفق لم أكن انوي الإفصاح عن هذا الأمر حتى أتأكد و شاءت الفرص أن نسمع بالأمر من عامة الناس.
لينطق الملك سهاد الويل لهم ناقضو العهد لم استسغهم يوما ما العمل الآن?
فجأة نطق شخص أخر من بين الجموع كان شابا يافعا يمتهن مهنة الصيد و القنص عرف بتر حاله الدائم قائلا هناك حل يا مولاي لو سمحت لي سأطلعك عليه.
ليرد الملك سهاد تفضل اطلعنا عليه فما عاد أمامنا متسعاً من الوقت.
اجل يا مولاي سمعت انه في تلك الغابة البعيدة الملتصقة مباشرة بحدود مملكتنا يقيم شيخ منعزل عن الدنيا يدعى قتادة لديه قدرة يستطيع من خلالها تجميد و تغيير مذاق و لون الماء لذلك أطلق عليه لقب مروض الماء.
لينطق الملك سهاد و لمَ الانتظار? فلترسلوا في طلبه لعله مخلصنا مما نحن فيه.
ليرد الشاب قائلا :صعب يا مولاي.
و يسترسل: هو شخص اعتزل الدنيا و اقسم بالاعتكاف بعيدا تاركا وراءه الذكريات و المأساة كانت الحروب سببا في انعزاله, أفقدته اعز ما كان يملك لذا اتخذ من تلك الغابة مخدعا وموطنا له.
يقولون انه تصادف مع ملك السحاب غيم ساقطاً على الأرض غارقا في دمائه مكسور الجناح نادماً على فعلته حينما تجبر على الملكة شمس محاولا الاستيلاء على حصتها من الوقت, لترميه بكومة من نيرانها الموقظة فسقط أرضا, لولا الشيخ قتادة لما استطاع ملك السحاب العودة إلى الحياة.
ويسترسل الشاب مرة أخرى مازال الشيخ ناقما على تصرفات البشر و لا ادري إن كان يقبل مساعدتنا أو لا. فهو شخص صعب المراس, عليك التوجه يا مولاي بشخصك و قم بإغرائه بالمال أو ما يطلبه فربما يلبي طلبك.
ليرد الملك سهاد إن كان الأمر هكذا فلا مانع عندي.
مباشرة أمر الملك بتجهيز قافلته قصد الانطلاق نحو تلك الغابة البعيدة , بعد أسبوع من السير المتواصل و صلت قافلة الملك إلى الغابة التي يقيم بها الشيخ قتادة الملقب بمروض الماء, ليجدوه تحت أجمة كبيرة فارعة الطول مستلق بجسده يتمتع بلذة الراحة و سحر طبيعة الغابة الخلابة, لم يعر الملك و من معه أي اهتمام بل تجاهلهم و أشاح بنظره صوب وجهة أخرى.
حينها دلف الملك سهاد نحوه و القي عليه السلام و راح يخاطبه أتدري من أنا.
أنا الملك سهاد جئتك آملا متوسما فيك الخير طالبا مساعدتك فالعطش بلغ منا مبلغا شديدا و أبناء المملكة يعيشون في فقر مدقع, قد تكبدت عناء السفر أرجو أن لا تخيب ظني, و قبل أن يكمل الملك سهاد كلامه هم الشيخ قتادة منصرفا بمشيته العرجاء صوب كوخه غير آبه لكلامه.
حينها تقدم احد الحراس محاولا توقيفه لكن الملك أومأ له بعينيه دون فعل ذلك.
ليذهب في إثره مثل الحيزبون و بمجرد دخول كوخه جثا على ركبتيه متوسلا وهو يقول لقد أرسلتك العناية الإلهية لتخلصنا و تنقدنا مما المٌ بنا, أهل المملكة في خطر هم بحاجة ماسة لتمد لهم يد العون.
ليرد الشيخ قتادة قائلا حب ذاتك خدعك و أعمى بصرك ظننت انك ستبقى على القمة و لكنك تناسيت بان دوام الحال من المحال.
و من يضمن لي بأنك ستتخلى عن كبريائك و غرورك لو ساعدتك?
لينطق الملك سهاد قائلا: أعاهدك بأنني سأتغير و أكون وفياً لوعدي, بيننا الأيام حكم.
ليرد الشيخ قتادة قائلا:الكريم إذا وعد وفى. فلا يجب أن يكون وعدك, كتلك الوعود التي تكتب على صفحات الماء.
لو قبلت شرطي و لم تنفذه ستحل اللعنة فعطاء بدون وعد خير من وعد بدون وفاء.
ليرد الملك بلى أيها الشيخ المبارك لن أكون غير ما تمنيته أعاهدك بملكي.
في تلك اللحظة و مع أن الشيخ لم يقتنع بصحة كلام و توسلات الملك, إلا انه قبل مساعدته لتنطلق القافلة عائدة حاملة الشيخ معها لم تطل الرحلة كسابقتها نظرا لمعرفة الشيخ الكبيرة بشعاب الغابة.
لتحل القافلة بالمملكة و يتوجه الشيخ إلى اقرب بئر ليخرج من جيبه قطعة تبدوا كحبة السكر حمراء فاقع لونها و بدا في قراءة بعض الكلمات التي لم يفهمها الجميع و ما إن خلص من القراءة رمى بالقطعة صوب البئر. و ماهي إلا لحظات حتى بدا لون و طعم الماء يتغير, لتبدأ مظاهر الحياة تدب من جديد.
لينصرف الشيخ قتادة لغابته التي لم يعهد الابتعاد عنها و مفارقتها مند سنين طويلة.
لتتحسن الأوضاع و نصلح الحال و تعود المملكة إلى سابق عهدها لكن سرعان ما نسي الملك وعده للشيخ لتزيد عجرفته و طغيانه ضانا بان تلك الأيام العجاف قد ولت و لن تعود خصوصا لما امتلأت الخزانات و السدود.
فما كان من مستشاره تميم تذكير بالوعد الذي قطعه لم يكترث لكلامه بل قام بقطع رأسه, عبرة لكل من تسول له نفسه بالتجرؤ و الخوض في موضوع كهذا.
مرت سنة بعد ذلك الحادث و ما كان على الشيخ قتادة سوى حمل نفسه نحو المملكة طالبا مقابلة الملك سهاد لكن حرسه رفضوا بل قاموا برميه دون إخطار الملك بقدومه خوفا من أن تقطع رؤوسهم.
حينها توجه الشيخ قتادة إلى اقرب بئر و قام بالبصق داخله, لتحل اللعنة و يتغير مذاق و لون الماء و بين عشية و ضحاها حرقت جل المحاصيل ليضرب الفقر أطنابه.
لتعمٌ الفوضى و يثور الشعب في وجه ملكه لأنه لا رأي لمن لا يطاع و في ظرف وجيز تفتت معالم المملكة لتندثر و تصبح في خبر كان.
بقلم بديار خليفة
-
Beddiar khelifaمخبري بشركة لصناعة الادوية و صحفي و مؤلف قصص و ناشط في المجتمع المدني ،في ميدان التطوع و القاء المحاضرات