علق بعض الأصدقاء بأنه مقال رائع، بعضهم نزع عنه صفة المقال قائلاً إنه يفتقد عناصر المقال، فيما علق آخر:"المقال جيد لكن لا تدعي أحدًا يخبركِ ماذا تكتبين".
كان هذا مقالي الأول الذي كتبته مترددة ونشرته في إحدى المجلات ثم تناسيته وتناسيت فكرة الكتابة من الأساس؛ حيث رأيتها فكرةً ثقيلة أن أتقيد بالكتابة عن مواضيع لا تخضع لاهتمامي أو لا تثيرها لحظة انفعال شعوري. وعندما قرأته الآن بعد ما يزيد على العام رأيت فِقرات غير مترابطة، جامدة بلا روح وتفتقر إلى الإنسانية. يبدو مقالي الأول الرديء كصنيع آلة رغم احتوائه بعض الأفكار الجيدة.
اختلفت تقييمات أصدقائي كما اختلف تقييمي لنفس المقال خلال شهور قليلة. ترى ما الذي يحكم تقييمنا للأمور؟
ما إن انتهيت من قراءة رواية "اسم الوردة" للكاتب الإيطالي أمبرتو إيكو حتى صحت: إنها الرواية الأفضل، ثم قاطعت حماستي متذكرةً تلك الكتب التى كنت أراها رائعةً والآن أراها رديئة، والفُرص التي ظننتها ذهبيةً ولو عُرضت علي الآن لرأيتها فخاخًا. هدَّأت من حماسي ثم قلت: "عملٌ أدبي جميل"، ربما لا يجب أن أنجرف بالتقييم بينما أفتقر إلى الخبرة.
أحيانًا ترجع مبالغتنا في تقدير الأمور إلى خبرتنا القليلة بها. الأشخاص الأكثر حكمة يتريثون في إطلاق الأحكام ولا يكثرون من استخدام صيغة التفضيل، بينما الاندفاع سمة المراهقة: أجمل يوم، أحب شخص، أسوأ شعور..الإفراط في استخدام عبارات كتلك ربما يشير إلى خلل انفعالي.
الأمور إذن تتحسن أو تسوء، الخيارات المناسبة لمرحلة لا تناسب أخرى، ولا وجود للأفضل أو الأسوأ على الإطلاق، كما أن مقالي الرديء كان جيدًا ذات يوم. يذكرنا الأمر بقول علي بن أبي طالب –رضي الله عنه- :"أحبب حبيبك هونًا ما عسى أن يكون بغيضك يومًا ما، وأبغض بغيضك هونًا ما عسى أن يكون حبيبك يومًا ما" كما يذكرنا بالمثل الشعبي:" متى زاد الأمر عن حده انقلب إلى ضده"
بالعودة إلى مقالي المذكور، أود الإشارة إلى أهمية التجربة الشعورية في النص، أو الروح الإنسانية التي تُشعر القارئ بأن نصًا ما حي يتحرك بين يديه فينفعل القارئ محاولاً التعرف عليه أو الإمساك به. حين قرأت ذاك المقال رأيت جثة هامدة غير صالحة للتعديل حتى..
وكنت على وشك أن أصيح: "إنه المقال الأسوأ"، لكن أتدارك الأمر الآن: "كان مقالي الأول رديئًا".
الآن ربما رجعتم بذاكرتكم إلى أيام سابقة كنتم ترونها الأجمل أو أشخاص ما كنتم لتتخيلوا الحياة بدونهم، أو أحداث ظننتم أن لن تقدروا على تجاوزها..هل أخطأتم يومًا في تقدير الأمور؟
ربما الجميع لديهم مقالهم الأول الرديء
-
مريم ناصفألاحق تناقضات النفس الإنسانية
التعليقات
موفقة ،
البداية غالبا ما تكون عفوية ساذجة لكن المهم هو التطور الذي يحدث بعد ذلك .
مقال جميل .
بالتوفيق .