وبين صيف أغلق أبوابه و خريف قارب على شد رحاله ،انتهت وعود ،انكسرت قلوب،ذرفت دموع ،هاجرت طيور ،ولدت أحلام ،فتحتأبواب ، شيدت بيوت و أشياء أخرى لربما تغيرت ونحن لا ندري …الكل ينتظر الشتاء ويتجهز ليضمد جراحه و يفتح صفحة ناصعة البياض لم يلوثها المداد بعد.
فصل يشعل نار الحياة و يطفئ بثليجه لهيب الأوجاع ، لكن سرعان ما نحترق بدخان الذكريات وتلوث أيدينا برماد الخيبات .نعود صغارا بقلوب بريئة ونسارع للالتفاف حول جداتنا بلهفة لسماع تلك القصص الخرافية: بطل مغوار،أميرة حسناءونهاية سعيدة.. أما الواقع فحكاية أخرى!!
تبتسم الروح بالرغم من لوعة الآلام وزحمتها ونحن نتابع بترقب مراسيم استقبال ضيف عزيز على قلوبنا..برق ،رعد،عواصف وغيمة تترنح، تذرف في صمت مطرا يطهر دواخلنا ويوقظ أحلاما طال سباتها، والخوف كل الخوف من أن تكون قد فارقت الحياة . سرعان ما تعانق تلك القطرات تربة الصمت ويفوح أريج الكلمات ليشق في صدورنا جسرا للحنين و الاشتياق. عذرا باريس! نفحات الشتاء تفوق عطورك، فلا أجمل من نسيم الصباح، قهوة ساخنة ورائحة أوراق الكتب...
فجأة ودون سابق إنذار يصبح لكل شيء طعم آخر: الأشياء الصغيرة التافهة تغدوا مصادر للإلهام حتى النافذة نقف أمامها كأنها أول مرة ونكتب اسما على زجاجها، بكل حرف نخطه أمنية تتسلل إلى عالم مجهول حيث يليقبها ان تعيش .
والطعام له نكهة خاصة ترسخها التوابل في الأذهان، وتأبى إلا أن تجعلها عنصرا لا تكتمل لوحة الشتاء بدونه . أما انتقاء الملابس الصوفية فعشق لا حدود له، نتفنن ونتزين بأبهى الحلل .. قبعة، معطف وقفازين، لحماية ما تبقى من دفء مشاعرنا .
ذلك فصل الشتاء ، سحر وجمال يفوق الخيال … لكن هذا الوصف سرعان ما يتلاشى مع أولى صرخات طفل يئن بين الأزقة وأطرافه ترتجف بردا وخوفا من استقبال ضيف ثقيل حرمه الدفء والحنان.
-
عفاف فتحيبقدرالإصرار و العمل ..تتسع الحياة