قصة قصيرة: حديقة الورود - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

قصة قصيرة: حديقة الورود

الأميرةِ المذهولة برائحة ورود حديقتها

  نشر في 21 أبريل 2020 .

برج الأميرة كان مصنوعاً من الكريستال النقي، وكان قمتهُ مزينةٌ بالذهب والأحجار الكريمة.

حولهِ حديقةٌ من الورود الكبيرة متعددةُ الألوان.

أحمر مثل الشمس المشرقة، 

أبيض مثل صفاء السماء في النهار، 

وردي مثل لون السماء عند حافة الفجر، 

والأصفر مثل الضفائر الذهبية 

التي تزين رأسها، كانت جميلةٌ ومتواضعة. كل شيء في وجهها يبدو أكثر بهجةً مثل الماس والياقوت الأحمر الذي يزيح بلورة البرج.

هنالك ذاك اللحنُ العجيب الذي كان يزفُ كل صباح عند استيقاظها من نومها العميق، ولجميع أولئك الذين رأوا هذا المجد بأم أعينهم واستمعوا إلى أغنية الورود - سواء كانت قاتمة ونسي حزنهم. سواء كانوا مذنبين ولم يُعذَب عذابهم؛ كانت الحديقة محاطة بجدار رخامي طويل سميك يميزها عن العالم المحيط. ولكن لم يجرؤ أحد منهم على الصعود إلى البرج وتم إغلاق بوابة الحديقة، وتم تعليق الأقفال المعدنية الصلبة.

كل صباح، في وقتٍ مبكر ومشرق، عندما تشرق الشمس، يتلاقى الضوء على قمة البرج، مما يجعل اللمعة البلورية تتلألأ وتتوهج في العديد من الألوان، وبينما تحرك النسيم الناعم أجراس الفضة المعلقة في نافذة غرفة نوم الأميرة، كانت تسير إلى حديقتها. كانت قدماها الصغيرتان تضربان الأرض وهي تمشي، وحافة ثوبها الأبيض الخفيف والعطر تداعب كعوبها الوردية. ستصل إلى البئر، وتسحب الماء منه، وبأيديها تروي ورودها، صفاً تلو الآخر، وتصب المياه العذبة فوق البراعم.

وعندما بدأت الشمس تغرب وبدأ الضباب الوردي ينجرف في الهواء، كانت الأميرة تمشي مرة أخرى طول وعرض حديقتها وتركع بجانب كل وردة. ومع شفتيها، التي كانت مثل طعم رحيق الكرز، كانت تقبل كل وردة. هي الأميرةِ المذهولة برائحة ورود حديقتها، ستصعد إلى غرفتها في البرج وتغفو إلى ليلةٍ زرقاء مليئةً بالأحلام.

وهنالك وراء الجدار مدينةٍ كبيرة مكتظة وبائسة. شوارعٌ طويلة وضيقة وقاسية ملتوية من خلالها مثل الثعابين. كانت المنازل الرمادية الطويلة ذات النوافذ الصغيرة والأسقف الصدئة مكدسةٌ معاً، ورفعت الآلاف من مداخن المصانع رؤوسها لأعلى، مما أدى إلى ضخ الدخان الأسود في السماء. خارج المدينة، كانت هناك بركٌ خضراء من المياه التي تفوح منها الحقول المهجورة التي نمت محاصيلها منخفضةٍ وهزيلة، ومنازلٌ قديمة ومثيرة للشفقة. والرائحةِ الرائعة من الورود، التي انبثقت من حديقة الأميرة وبقيت في الهواء، هي التي ستضفي القليل من الراحة على هذه المدينةِ الفاسدة.

من كل صباح، عندما إنقلبت السماء المظلمة أكثر إشراقاً قليلاً، كان سكان المدينة يغادرون منازلهم. شعرهم يبدو غير مهذب، احترقت عيونهم بالدموع والأرق. كانت شفاههم شاحبة ومذابة، وملابسهم مصنوعةٍ من قماش خشن وممزق ورمادي مثل غبار الطرق. مجموعة بعد مجموعة كانوا يسيرون إلى ورش العمل والمصانع للإكثار. وبعد ذلك سينهمك كل واحد في مهمته.

وفي المساء، عندما أضاءت مصابيح الشوارع الصفراء وغسل ضوءها الغامض على المدينة بأكملها، ترك الناس المتعبون عملهم وخرجوا مسرعين إلى منازلهم ليشبعوا أنفسهم بسرعةٍ على شريحة خبزٌ جافة، تغفو وتنسى كل شيء، كل شيء.

ومرتين في السنة فقط، في أيام الأعياد، كانت الشوارع الضيقة أنظف بعد ذلك، وظهرت ابتسامةٌ غريبة على المنازل وستائر بيضاء متلألئة في النوافذ الصغيرة. في مثل هذه الأيام، ستظل مداخن المصانع صامتةٌ وسيبقى الناس في منازلهم حتى وقتٍ متأخر. ثم يخرجون ويغسلون ويرتدون ملابس احتفالية. سارعوا جميعاً إلى الميدان خارج حديقة الأميرة، وهناك وقفوا وانتظروا مسبقاً.

عند الساعة الثانية عشرة ظهراً، ظهرت الأميرة بوجهها الناعم، بين جفنيها، عينان أزرقان متلألئتان، علقت على ذراعها سلةٌ كبيرة وفيها ورودٌ رائعة من حديقتها. لفترة من الوقت كانت تنظر إلى الحقل، حيث تحترق الآلاف من الألوان الزاهية التي تجلب العين في ضوء الشمس، وبعد ذلك، بأصابعها الطويلة، تأخذ الورود من سلتها وترميها للحشد. وكانوا يمسكون كل وردةٍ ويقطعونها إلى قطعٍ صغيرة.

في اليوم التالي ستستأنف الأميرة عملها في حديقة الورود. وعلى الجانب الآخر من الجدار، ستعاود الحياة اليومية الصعبة أيضاً.

ذات مرة كان هنالك جفافٌ. لم تسفر التربة القاحلة خارج المدينة إلا قليلاً، وكانت المحاصيل المنخفضة الضئيلة تُغنى أثناء تكاثرها. جفت الآبار والمسابح، وارتفع الغبار عالياً، محاصراً كل شيء. الناس يائسون من الجوع والعطش. كانت وجوههم شاحبة وقاتمة، وكانت عيونهم مشتعلة وأصبحت قبضاتهم مشدودة. وعندما وصل الموعد السنوي للأحتفال، لم يكن أي من سكان المدينة يرتدون ملابسهم الجديدة.. لكن يرتدون الممزقة، وتجمعوا في الميدان خارج حديقة الأميرة وانتظروا بفارغ الصبر وصولها. كانت متأخرة قليلاً في ذلك الصباح:

"ما أجمل الورود هذا العام! والسلةِ ممتلئةٌ جداً. كم سيكونون سعداء عندما أحضر لهم الورود ”.

لكن الأصوات الغريبة التي سمعتها من وراء الجدار

أذهلتها.

"ما هذا؟"

وتساءلت: "لأنني لم أسمع أبداً مثل هذه الأصوات من قبل، ولماذا لم أسمع؟"

وأخذت تفكر في النهاية وبدأت في التسلق، وبينما كانت تتسلق نحيباً غريباً قد وصل إلى أذنيها - صوت بكاء الأطفال، وتئن النساء، وهديراً جاء من حناجر الرجال، وعندما خفضت نظرتها للنظر في الميدان، كانت منزعجة لدرجة أنها بالكاد تستطيع أن تمسك نفسها، لكنها ما زالت تضع يدها في سلة الورود، مما يعني إلقائهم على الحشد، وبدأت في مخاطبتهم لأول مرةٍ في حياتها..

"يكفي!"

وقد تخاطب أحدهم معها بكل جرأة..

"ليس لدينا حاجة لهداياك! لن نسمح لك بالذهاب إلى البرج بأمان خلف الجدار، والاستمتاع برائحة ورودك. انظري إلى فقرنا! .. انظري كم نحن قبيحون، كم هي بائسة هذهِ المدينة. لم نعد نريد هذهِ الحياة. نحن بحاجة إلى تلك الورود الرائعة في حدائقنا، وليس خلف الحائط الخاص بك! افتحي لنا البوابات! وإذا لم تقومي بذلك... حسناً، فسوف نهدم الحائط، ونحطم أبراجك، وندوس فوق تلك الورود الخاصة بك مع باطن أحذيتنا. افتحي البوابات!"

وخفضت الأميرة يدها بلا حول ولا قوة، ولفت ثيابها بألم، وانحدرت الدموع المتلألئة من عينيها. ثم صعدت إلى الحائط وفتحت البوابة.

من ثم اقتحموا جميعهم الحديقة وأخذوا بسرقة كل الورود، وتدمير برج الكريستال، وأخذوا الأميرة معهم.

ومنذ ذلك اليوم، بدأت في زرع الورود في حدائقهم، في تربتهم القاحلة، لكن البراعم التي نمت كانت شاحبة وبلا حياة، كانت رائحتها خافتة لدرجة أن أحداً لم يشعر بها. واصلت الأميرة جهودها في استعادة مجدها السابق، ولكن دون جدوى. 

قد فقدت كل شيء وأصبحت تعملُ بجهدٌ مثلهم حتى تزرع حديقةٌ مماثلة لحديقتها.


تمت.

——————————————

عندما نحرم الفقراء والضعفاء كرامتهم الإنسانية وقدرتهم على الحرية والاختيار ، يصبح إنكار الذات. يصبح إنكاراً لكرامتنا الجماعية والفردية، على جميع مستويات المجتمع. "




  • نور عتيق المريخي
    كاتبة قطرية صُدر لي روايات ( زمرد المايا - الجوهر ) مدربة الوعي والتنمية الذاتية مؤلفة قصص خيال علمي ورعب مخرجة أفلام وثائقية
   نشر في 21 أبريل 2020 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا