وهل تمتلك القليل من الذكاء الانفعالي؟
يعتقد الكثيرون أن ذكاء العقل كافياً للنجاح في الحياة الدراسية أو العملية على اعتبار أنه حجر الأساس للسير في حياتهم دون مشاكل، فيجد بعضُهم في تجنب الآخرين درعاً واقياً ضد الصدمات، ويرى بعضهم في الجمود والشدة سبيل الراحة للحصول على ما يريد دون عناء.
نسمعُ العديد من القصص عن هذا النموذج أو ذاك...
مديرٌ في مؤسسة يبخل على موظفيه بالابتسامة والكلمة الطيبة خوفاً من التسيب، يلومهم على أبسط الأخطاء يظنُ في قرارة نفسه أن الشدة هي أفضل السبل لسير العمل على ما يُرام. لكنه يُصدم من تغيبهم الكثير عن العمل بحججٍ وهميةٍ، نظرته إليهم دونية وفي المقابل علاقاتهم به يشوبها الرفض ويصل أحياناً إلى الكراهية.
موظفٌ تجنب زملاءه، قرر أن يعيش في بوتقة الوحدة، حصر نفسه في أزقة الكتب والانطواء... فصلَّ مشاعره حتى عن أقرب الناس إليه، وصل به الحال إلى الإخفاق في التعبير عن أوجاعه وآلامه.
زوجٌ... أبٌ يعاملُ أهل بيته ضمن قانون {قمْ بإرعابهم فلا يجلبون لكَ المشكلات}، يظن بذلك أن البيت يسير على درب السواء... ولا يعلم أنه بنى جداراً من الكراهية بينه وبينهم، فتكره زوجته عنفه وجفاءه، ويخاف أبناؤه لحظة دخوله البيت.
معلمٌ لا يعرف إلا العصا والإهانات في تعليم طلبته، يعتقد أن في الوجوم علامةُ قوة وضبطٌ لحصته... تأتيه النتيجة عكسية، يهاب الطلبة حصته، ويفقدون التركيز مما يساهم في تدني تحصيل فلا يكون هو أفضل معلم ولا يمكن لهم أن يحبواْ مادته حتى في السنوات التالية.
أمٌ لا تمنح أطفالها الحنان عاملةً بنصيحة أمها {لا تدللي أحدهم فيسوء سلوكهم ويكونوا هشين في الحياة}، فلا تراهم إلا بعينٍ صارمة كلها حذر من التدليل وكأنهم في ثكنة عسكرية يُمنع فيها حق النَفَس، بل وترد على أخطائهم بأشد أنواع العقاب.
وهنا يأتي السؤال...
ماذا لو امتلك أولئك ذكاءً انفعالياً؟
وما هو الذكاء الانفعالي وكيف يعود علينا بالفائدة؟
يُعتبر مفهوم الذكاء الانفعالي قديماً حدثياً... عرفته البشرية قبل أن يعرفه علماء النفس، بدأ تداوله عام 1985 بعد دراسة قام بها العالم "رووفين بارون" حيث عرفَّه على أنه قدرة الفرد على التعامل مع ذاته ومع الآخرين بطريقةٍ صحيحة، وهنا يحتاج الفرد بداية اكتشاف مشاعره وتحديدها وتقييمها بشكل إيجابي بما يُمكنه من التعامل معها ومن ثم التعامل مع الآخرين دون أن يُثير مشكلات تواصل معهم، فيعرف متى يُحادثهم ومتى يناقشهم.
ولا يحتاج الفرد هنا إلى ذكاءٍ عقليٍ كي يكتسب مهارات الذكاء الانفعالي، بل يتمتع كثيرون بذكاءٍ انفعالي عن نقيض ذكاءهم العقلي المتوسط، فهم لم يحتاجواْ شهادات جامعية أو معدل ذكاءٍ عقليٍ عالٍ ليتمتعوا بعلاقات سوية تُضفي على حياتهم جوٍ مريحٍ بعيداً عن أيَ مشاحنات. فقط يحتاج إلى:
1. فهم ذاته واكتشاف مشاعره ليدرك السار منها وغير السار.
2. تعلم مهارات التفريغ الإيجابي لغير السار منها (الغضب والعصبية، التوتر، الحزن...إلخ)، فهناك فردُ يزيح غضبه على الآخرين، وآخر يفرغ خوفه أو توتره في العزوف عن تناول الطعام أو تناول الطعام بشراهة مفرطة، وثالث يُقوم بتكسير ما تطوله يده حال شعوره بالعصبية بينما ينسحب رابع من مواجهة أي موقف حتى بعد هدوئه، و بالتالي تنظيم مشاعره بطريقةٍ تسمح له تحويل الطاقة السلبية إلى إيجابية من خلال التوقف بُرهة، وتأمل ماذا تجنيه الطاقة الإيجابية من قدرة على ضبط النفس وتحمل الضغوطات الخارجية بشكل لا يسمح للغضب شق طريقه إلى عقله وخسارة علاقاته مع الآخرين بتوتره وعصبيته.
3. التصرف بحكمة وتأني مع الجدالات التي تُثيرها المواقف الحياتية المتعددة خلال الاختلاط بالآخرين. فلا ضير من تجنب مكان الجدال حتى لا يحتد الكلام ويخرج الفرد عن طوعه، بل يمكنه تأجيل كل أفكار سلبية إلى وقت الهدوء، وبعدها من المهم أن يعبر عن مشاعره دون تردد ولكن بطريقة لا ينقصها حُسن الأسلوب...
وأخيرا...
كُن ذكياً انفعالياً... تمتلك قلوب الآخرين... وتشتري راحة بالك.