لقد حذَّرتك قبلَ الرَّحيل، أخبرتُك عن وجهاتي التي بلا وجهات، و عن البحار التي تهواني بلا قوارب، عن أزرق غامضٍ فيها لا يشبه أيَّ أزرق عرفتَه، و عن أنهار تعرفُ كلَّ أشكال موتي، و لا تعرفُك.. أخبرتك عن الطرق التي تلفظ خطوي و ظلالي ، و عن اللَّيل الذي يحشدُ لروحي هواجسَه و ظلامَه..
ثم قلتُ لا تتبعني!
ستبحثُ عن ظلال فتجدني أشبهَ بالجحيم، و تجدني صقيعاً في فصلك البارد، ستجدني أو لن تجدنـي، و تفرك عينيك من العجب، حين تخطفني في وضح النهار عناكبُ و جنادب.
أخبرتك أنَّني لا أقرأُ خرائطَ الضَّياع، و أنْ لا شمالَ لي، و لا جنوب! و أنني لستُ درباً روَّضته الجرَّافاتُ، و لستُ نفقاً سريا بين الوهم و اليقين..
لا تتبعني!
ماذا لو عطِشتَ في عرض أوهامي، من يأتيكَ بشربَة ماءٍ و جدْبي طويل؟
لن آخذك لخلاصك، لن آخذك لأيِّ مكان، ستتعبُ كثيراً من فوضى اتجاهاتي، و كثرة محطاتي، سوف تموتُ ضجرا و أنت تنتظرني عمراً كاملا لأطلع من حفـرة بعد سقوط لذيذ، و عمراً حتى أداوي جراحي، و عمرا آخر أفكرُ فيه ؛ هلْ أبقى جالسا أقبِّل العشبَ و ألعن النجوم، أو أختار نجمة على هداها المزعومِ أسير..
دعك منِّي، سِرْ وحدك إن شئْت،َ أو سِرْ مع الآخرين، عشبهم أخضر، و ليلُهم دافئ في كل الفصول، و نهارُهم ضحكاتٌ و أغانٍ، و أنا - كما تسمعُ - لا أملك إلا ألحانَ الريح..
لا تتبعني! لقد حذرتك أنني ما تُهتُ عن نفسي إلا لأنني تبعتُ نفسي!