عش عمرك المتقدم بسعادة - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

عش عمرك المتقدم بسعادة

هيام فؤاد ضمرة

  نشر في 04 أكتوبر 2023  وآخر تعديل بتاريخ 04 أكتوبر 2023 .

عش عمرك المتقدم بسعادة

..هيام فؤاد ضمرة..

تمضي السنوات من العمر ونحن منهمكون في شؤون الحياة ومتطلباتها الأكثر أهمية .. هي أمور كثيرة يغرق بها الكثيرون، كمسؤليات البيت الجديد ومن ثم الأسرة وشؤون الزوج والحمل والإنجاب وتربية الأبناء ومتابعة دراساتهم حتى التخرج والعمل ثم الزواج، ومن ثم تتوالى علينا الأحداث الجسام، فيفارقنا أحبتنا الكبار بصدمات قدرية متتالية كسنة طبيعية من سنن الحياة على ما خلقها رب هذه المعمورة، نظام إلهي لا يتبدل ولا يتغير.

تبدأ الحياة تمضي ونحن نحتفل بالعام تلو العام، غير مدركين أننا إنما نحن معها مترحلون نحو النهاية الطبيعية، وأننا متورطون بالرحيل عن ذاتنا الحقيقية عمرا وحياة، لأننا غارقون بمسؤولياتنا الكثيرة وهمومنا المرافقة والمتراكمة، تارة تمر بجفاف عاطفي منهك، وأخرى باغتناء عاطفي منعش للروح والنفس، لنجد أنفسنا في عمر متقدم وقد نسينا فيه أنفسنا تماما ، وابتعدنا عنها جفاءا واضحا، وأهملناها دون ذنب اقترفت.

ما نكون..؟ وكيف عليه كنا نحلم أن نكون..؟ فجأة نفتقد ذاتنا في عقر أنفسنا، ننظر حولنا علنا نتعثر بنا، علنا نجدنا على ما تركنا فيه أنفسنا، قد كان غيابنا عن أنفسنا التي ما عادت أنفسنا، لنستغربها، لننكرها، لنبحث عنا في جيوب السنين، سنجدها بلا شك لكنها ليس نفس ما كانت عليه، رغم التجارب والخبرة والنضوج.

قد ننكرها، ونسائل أنفسنا.. أين أنت من هذا الزمان..؟ أين أحلام تضاءلت حتى ذابت في العدم..؟ أين شبابنا المتعافي من هرمنا العليل..؟ أين ذاكرتنا التي كانت سريعة ودقيقة التسجيل..؟ أين ظلال ابتساماتنا المنتعشة بأمل الشباب وروحهم الناهضة بالعزم والشغف والإقبال..؟

فيا أيها الزمن قلي لي أين منك نحن..؟ وأين نحن بهذا العمر الذي قفزنا إليه متخطين عمر شبابنا وأحلامنا وأمانينا..؟ أين السعادة بالكمال الذي نشدناه لنا ولأبنائنا..؟ أين منا أحاديثنا في جمعات سمرنا..؟ أين الأحداث العامرة بالمودة والإنسجام من مواقف أضحكتنا وأخرى أبكتنا..؟

أين منا ذكريات سفر نقلتنا في سياحة ممتعة بين دول العالم ملأت محتوانا بالذكريات السعيدة والإبتسامات المريحة، منحتنا المعلومات وجميل المرئيات، واستمتاع جميل بالتقاط الصور لذاكرة نزمع أنها لا تغيب؟

يا إلهي كيف مرت أحداثها في سرعة عجيبة أتو نخالها هكذا رغم مرورها البطيء، هل من عادة السنوات أن تقفز قفزاتها الكبيرة بعمر عشرات السنين، بالتأكيد لا السنين هي من تقفز ولا العمر يجري جري المسرعا على عجلة حيات تحتشد بالأحداث السمان.

إذن أين ذكرياتنا منها..؟ أين الصور التي بتنا مولعين باسترجاعها، تتحسس أرواحنا مواقعنا من صورها التي كثيرا ما نهرع إليها مهوسين باسترجاع دقائقها عن شريط ذكريات العمر.. فما أشد صبرك يا زمن علينا وما أشد حنينك لمشاركتنا تلك الحكايا المطبوعة على ذاكرتنا

لماذا في هذا الوقت من العمر بتنا نفتقد قديمنا ونتلذذ باسترجاعه..؟ لماذا صار للماضي بريق مثير للشوق محفز للاسترجاع..؟ نترحل عبر الماضي بقوائم غزال لاسترجاع الصور والحكايا كشريط سينمائي مار من أمام أعيننا مرور الظلال، ليتحفنا بهناءِ وانتشاءِ تلك الأحداث وهي تتسرب عبر تلافيف عقولنا، فمن خلال استعادتنا رؤيتها نتلمس في ثناياها دفء عالق بها، تنقله إلينا لتخترق تلك التجاويف فينا، حتى موطن شعورنا.

رحلة خاصة إلى دخلنا تثير شجوننا، تنعش عقولنا، وتمتع أذهاننا بعبق القديم وجمال براءته وتلقائيته، نقوم بها ونحن ممتنين لأصدائها، لمشاعر متجددة تختلج بخليطها، بحنينها بصفو صورتها، بالشجن العامر بتفاصيلها، هي لحظات تتيح لنا تكبير مقاطع للحدث لم نكن أمعنا النظر بتفاصيله الدقيقة.

فلماذا نصبح شغوفين بالاسترجاع، مستمتعين بإعادة تشكيل صور الماضي..؟

لأن الزمن بدأ يترك أثره على عافيتنا التي تراجعت باتجاه الضعف، لأن أشكالنا تغيرت وبدأ البهتان يتوضح على نظراتنا وألوان جلودنا وأشكال ملامحنا، حتى الابتسامة يصيبها الذبول، لأن الذاكرة امتلأت حتى فاضت وصار النكش في الماضي مجدي للغاية لاسترجاع زمن النضرة فينا، زمن الجودة بكل ما فينا، زمن أهملنا إمعان النظر فيه فأعادته الذاكرة لتسترجع جمالياته التي كانت مرت بنا مرور الكرام.

إعادة تقييم الماضي يحتاج لنظرة أعمق، وفكر أشمل، ومساحة وافية من إعادة التشكيل وفق رؤية متجددة، لهذا تبدو المشاهد أشد وضوحا وتعميماً، فتبدو الصورة على وضوح ايجابياتها ظاهرة، فيما سلبياتها منكمشة على نفسها، لأن التذكر يختلف عن الحقيقة لكون الصورة يمكن تجميلها وفق الرغبة الشخصية، ومحو سلبياتها أو تظليلها، بحيث يسهل إهمالها.

ثمة مسألة مهم ذكرها في كون مبدأ الاسترجاع حالة مريحة للنفس الإنسانية، تبعث على الاستقرار النفسي، والهدوء والسعادة بكثير من الأوقات تبعا لنوع الحدث المسترجع، حتى في حالة استرجاع الأحداث الأليمة والحزينة، فإنها تكون بمثابة تفريغ عاطفي مريح من خلاله ما يمكن اطلاقه من المخزون الذي يشكل حالة ضغط داخلي يضغط على النفس ويرهق الجهاز العصبي من حيث لا يدري صاحبها، فتأتيه حالة الإسترجاع بفرصة ايجابية سانحة لإطلاق هذا الضغط من مكمنه العميق.

فالحنين إلى الماضي هو بحد ذاته حالة امتلاك وضع سيكولوجي ونفسي قائم بذاته إذ يعيد الإنسان إلى حالة تشكيل الماضي وفق رؤية جديدة أكثر وعيا وأشمل مهنية فكرية يطلق عليها النفسيون إسم النوستولوجيا على ما أسماه أحد النفسيين في الطب النفسي..

إن ضعف الذاكرة الحديثة عند كبار السن تنشِّط فيهم الذاكرة القديمة وتنعشها، فيصبح الحنين للماضي شغلهم الشاغل، لأنه بات أمامهم أكثر وضوحا من الحدث الحديث المعاش فيه وفق تجديدات العصر الحديث الذي يستهجنه الكبير، واعتقد جازمة أن هذه الحالة تصيب الكبار بالسن لإظهار حالة مضادة لمواجهة ضعف الجسم بعمومه، لايجاد مبرر للتكيف مع الواقع الجديد، وقد بات خائر القوة هزيلها، فالاسترجاع يشكل له حالة توازن بين الماضي الجميل بقوته ونشاطه وجمال شكله، وبين الحاضر الضعيف في عافيته وقواه وذاكرته ونظره وسمعه وعضلاته ومفاصل جسمه.

فاسترجعوا أعزائي ذكرياتكم الجميلة وغير الجميلة فكلاهما يؤدي إلى تفريغ ما بداخلكم من ضغوط ومن سلبيات، استرجعوا ما شاء لكم الاسترجاع من فرص، وعايشوا سعادتكم وهناء نفوسكم، واستقرارها بالتحايل الايجابي على النفس وإشباعها بالفضفضة والاسترجاع، فاعتماد الإنسان على استخدام الحيل الدفاعية النفسية تعتبر حالة لاتخاذ وسيلة ناجعة للتخلص من التوتر ومن النكوص النفسي، لا نطالبكم بالانسحاب من الحاضر على حساب المستقبل، لكن كل شيء في التوازن هو الايجاب بعينه، وهو نمط يحتذى للعيش بتقبل وسلام.


  • 2

  • hiyam damra
    عضو هيئة إدارية في عدد من المنظمات المحلية والدولية
   نشر في 04 أكتوبر 2023  وآخر تعديل بتاريخ 04 أكتوبر 2023 .

التعليقات

Dallash منذ 7 شهر
أَلَا لَيْتَ شِعْرِي مَا بِتُّ أَنَا وَلَا بِتُّ إنِّي
وَمَا الصِبَا بَاتَ أَنَا بَعْدَ شَيْبٍ وَلَا بِتُّ أنِّي
ماهر باكيردلاش
1

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا