الوجة الآخر للشهرة.. ملامح الاستغلال لكسب التعاطف! - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

الوجة الآخر للشهرة.. ملامح الاستغلال لكسب التعاطف!

  نشر في 13 يناير 2022  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

- الأمس ..

كانت لعزة النفس ثمن وللكرامة قيمة، كان للبشر مأوى، لهم "سر" كان الموت أهون من الافصاح عنه، الجميع يلوذ إلى ركنه الآمن عند اشتداد تيار الأيام عليه، الكل يحتفظ بجزء خاص عنه لا يعلم عنه الآخر أو يجرؤ في السؤال عن تفاصيله، "صندوق أسود" تستتر به حقيقة الإنسان عن نظرات الدُنيا التي لا ترحم، المريض ينتظر دوره في الكشف الطويل دون أن يخبر خلق الله بأنه على أعتاب الطبيب، دون "سيلفي" له وللتحاليل الطبية التي يصطحبها في رحلة العلاج، صاحب الاختلاف لا يخرج للعالم ليكسب تعاطفهم، الصغير يمارس طفولته كما يجب أن تكون دون أن يقفز بالزمن أعمار فوق عُمره لتحقيق "مشاهدات أو لايكات"، بالأمس لم تكن تجارة الإنسان بوجوده عنوان القصة، بالأمس لم نكن إلا بشر على الفطرة، بالأمس.. كنا!

- اليوم ..

تبدل الحال إلى النقيض!، أصبح بيع الكرامة حرفة العصر وكل عصر!، أصبح لنبض القلب سعر بعد أن كان يقوم بعمله في هدوء وسلام، أصبح الإنسان مادة تُباع حسب الطلب، وتختلف عروض البيع والشراء كلما تحقق "تارجت" الشهرة!، اليوم تمكن الإنسان من نفسه حتى وصل بها إلى قاع الإنسانية!، أفحم الحياة بعدمه وهو لازال على قيدها!، تبدلت الأدوار وبعد أن لعب الإنسان دور البطولة في قصة الحياة أصبح يُحرك بخيوط كما عرائس مسرح الأطفال التي تتلوى من أجل إضحاك قلوب بريئة ومن ثم جني الأموال، فكيف حدث هذا التحول الذي أدمى إنسانيتنا جميعًا؟!

- "دموع التماسيح".. مبدأ من لا مبدأ له!

انتشرت في الأعوام الماضية وحتى يومنا هذا ظاهرة غريبة أثارت اشمئزازي وبشدة، فكثيرًا ما مرت علينا حالات تقمصت دور الضحية من أجل كسب التعاطف وحشد أكبر عدد من البشر حولها لأجل "الشو" الإعلامي، فمنهم من تحايل على الناس بافتعال كذبة لا تمت للحقيقة بأي صلة؛ فقط ليخرج من حيز مجتمعه الصغير المُتمثل في أسرته البسيطة إلى عالمنا الفسيح، "يتلمع" كما نقول بالمصري، أن تهرول نحوه أضواء الشهرة التي لا تفرق بين حقيقة أو زيف، واقع أو افتراء، وحتى أن بعضهم خُيل له أن التشبة بأصحاب "الصيت والغنى" عصا سحرية تحوله إلى بطل قومي وشعبي، ليدخل إلى غرفة عمليات "التقبيح" وليست "التجميل" بمحض إرادته؛ ليتحول إلى نسخة طبق الأصل من "فلان" أو لتصبح في هيئة "السوبر ستار فلانة الفلانية"، لتخرج من تأثير المخدر إلى وهج الشاشات مباشرةً، دون وجه حق أو معنى أحدثته لتستحق الظهور أمام الملايين!، ووحدها "اللقطة" تدفعهم لخلق ملامح جديدة لهم وإن كلفهم الأمر أن يسحقوا هويتهم من الجذور!، ولكنها نماذج اعتدنا عليها ولن تندهش من روايتي لك بوجودها على الإطلاق، ولكن ماذا عن كسب الشهرة بطرق غير مشروعة "إنسانيًا"؟

اليوم .. وصل الحال بنا أن يلعب أحدهم دور "مريض سرطان" من أجل أن تتغنى به البشرية وتصبح قصته القاسية بمثابة النشيد الوطني للأجيال الراهنة والقادمة!، فيتخذ هيئتهم وملامحهم ويتواصل معهم لكي يثبت صدقه لسنوات وسنوات، بل ويلعب دور المؤثر على منصات التواصل الإجتماعي؛ فتقع كلماته وقع الإلهام وتتحقق نصائحه في الحال ومطالبه مهما استحال تنفيذها لا تُرد؛ فهو في عين الكل يحقق "مطالبه الأخيرة" في الحياة ولا حرج عليه، ولكن.. الكذب لا دوام له.

وعنها .. انطلقت ثورة جديدة من ثورات الشهرة، اندلعت نيران الأرقام والإحصائيات والأموال ولم تنطفئ!، أصبحت حيلة "المرض" هي ما تجلب "السعد والهنا"، يأكل من خلالها الإنسان "الشهد" وإن كان لا يعرف طعمه أو رائحته من فرط مرضه وأثره على حواسه!، ولكن يكفيه أن يقتنص نظرات الفخر ويحصد أولوية اهتمام الشعوب، بغض النظر عن حقيقة مرضه، ودون الاكتراث بإتفاق ما يخرج به للناس مع ما يُعانيه وبحق، هل تتسق حقيقته مع ما يظهره أم أنه "ممثل قدير" يستحق الأوسكار؟

لم يكتفِ بخروجه إلى الملايين بيد تحمل "حقن وأدوية" واليد الأخرى تزينها "ساعة دهب" كانت هدية أحد الداعمين له في لقاء تاريخي بينهما كما وصفته الصحف، ولكنه فتك بهويته من أجل التصدر على الساحة، "مسحها بأستيكه!"، حتى أنه أطلق على نفسه الألقاب التي تُعبر عنه:

"صاحب الضحكة الجميلة"، "القلب الطيب"، "وش القمر"، "محبوبة الجماهير" وما إلى ذلك...

والسؤال هنا:

من أين جاءت هذه الألقاب؟، وهل استحقها وبحق أم أن الشهرة تتطلبها؟

يقف أمام وجوده الذي عرفه الشارع به مُتغاضيًا عن "أصله وفصله"، لا ينظر إلا لـ"التريند اللعين"، يُدشن صفحات تحمل اسمه وتحمل آلاف المتابعين، ليخرج من خلالها يوميًا يُكذب صفحات أخرى مُنبهًا ما أسماه "جمهوره" منها ومن أخباره المغلوطة، وكأنه أخترع دواء ينقذ البشرية من أنياب المرض، ليجدر به أن يكون من نجوم الأرض، ولكنه حفر اسمه من العدم، مقصده الأول والأخير أن يصبح من صفوة المجتمع بـ"مرض أو اختلاف" خُلق به دون تدخل منه!، ملامح تختلف عن الجميع بلمسة إلهية، ألم وضعه الله به لكي ينظر إليه بعين العبد الحامد الشاكر، فما الجدوى من الظهور كل ثانية أمام المجتمع بتصريحات وإعلانات من "الهوا"؟!، لِمَ يتفاخر بها هنا وهناك؟، أين خصوصية الإنسان التي تُعد أهم حقوقه في الحياة؟!

تطور الأمر حتى انتشر الاستغلال وزادت الأفكار التي تحقق هدفه في الكسب والتألق بـ"عاهه أو تأخر عقلي"!، حتى أن مطالبهم أصبحت أمر واجب النفاذ!، وقع في أيديهم "مصباح الأحلام" وأحلامهم أصبحت حقيقة ملموسة، وقبل النطق بها تتحقق بلا تردد أو نقاش:

-"عاوز أشوف الممثل ده أنا بحبه أوي"

="من عينينا يا سلام انت بس تطلب"

-"حلو أوي الفندق ده، ممكن أقعد فيه اسبوع؟"

="شهر لو تحبي، وهاتي اللي عاوزاهم كمان"

-"مش معايا فلوس دلوقتي، هو لازم أدفع الحساب؟"

="لا يا باشا ده هدية من إدارة المطعم ليك"

وتستمر سلسة التنازلات مع سيناريوهات التلاعب المختلفة التي تتخذ أشكال وأنماط مبتكرة كل يوم!، "دماغ مش بتنام"!، وأنت تحسب أنك بما تفعله تحقق معنى "جبر الخواطرولكن ماذا إن كانت بوابة الدخول إليك لامتصاص دمك وتركك "على البلاطة"؟!، لتفتقر ماديًا ومعنويًا.

اليوم وفي عصر الـ "سوشيال ميديا" أصبح من لا هوية له "نجم عالي" الوصول له حُلم كبير!، من لا يملك فكرة يستحق أن يخرج بها للنور هو الشغل الشاغل وحديث الناس الأهم، فلا تدع "كل من هب ودب" يتحكم بك وبما تملك من عقل ميزه الله بوعيه للأمور، دقق فيما تشاهد وما يخرج لك من اللاشيء، أنت الآن مجرد "هدف" يسعى الكثير لضمه إلى ما يروج له، يتعامل معك الجميع باحترافية غير مسبوقة، وهو في مهمته القناص الماهر، يستعملون حيل لن تخطر ببالك يومًا ولكنك تقع في قبضتها فريسة لا حول لها ولا قوة، أنت اليوم تواجه حرب شرسة والمؤسف أن من شنها ضدك هو إنسان لا يختلف عنك بشيء!، ولكنه قد وجد متعته في التلذذ بـ"سذاجة" من يقع في حفرة استغلاله الرخيص وألاعيبه التي لن تدرك خطرها إلا بعد أن يفوز هو بخطته دون خسائر، ووحدك "الخاسر الوحيد".


  • 5

   نشر في 13 يناير 2022  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

التعليقات

ياسر السيد منذ 2 سنة
الانسان علي مر العصور به من الانحطاط ما به كما به من الفضائل ما به لكن الاختلاف في ادوات الانحطاط فقط تتطور مع الوقت لكن الانسان هو الانسان.
1
نورا محمد
صحيح أ/ ياسر.. والمؤسف أن يكون تطورنا في تأخرنا!
Fardous منذ 2 سنة
وگأنگ تتحدثين بلساني، أعجز عن وصفگ!
1
نورا محمد
وأنا أعجز عن الرد على كلماتك الطيبة ..
أسعدتيني كثيرًا بتعليقك الجميل، كل الشكر والتقدير والمحبة لحضرتك :)

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا