لعلّها مُحاولة تخليد ذكرى لم تحصُل بعد، هيَ ابنة أختي التي ستجعلني لأوّل مرة أشعر بشعور ال "خالة"

أتذكّر ذلك اليوم الذي ابتدأ فيه الامر جيّداً، جاءت إلى والدتي وتبدو عليها علامات المرض والإجهاد او أنّ روحها قد سُحِبَت قليلاً ومن ثمّ بدأت الاثنتان في حوارٍ خفيّ لم أتمكّن من التقاط سوى آخر كلمة " الحمل".

مرّ الامر على ما يُرام، ويبدو انّه قد اّتُّفق على ان يكون الشهر الرابع هو الشهر الذي يُعلَم فيه جنس المولود، المهم أننا علمنا بأنّها فتاة، وكما وجدتُ بالنسبة للنساء اللاتي عايشنَ القرن الماضي "ليسَ الذكر كالأنثى" كان جُلّ همّنا أنا واختي أن نُصبح خالات بغضّ النظر عن جنس المولود ولعلّنا كُنّا نرغب بفتاة لأنّ منزلنا يضجّ بالذكور ونرغب في فتاة نقتنيها كدُمية وكان الأمر، لكنّ العبارات الأخرى من نساءٍ عايشنَ حُبّ الذكر كانت عبارات أسمعها كثيراً وكأنّه تمّ الاتّفاق على قولها في مثل هذه الحالات " يلا منيح مالها البنت؟ الله يعوّض عليكِ" هذه العبارات التي تنغص الفرحة لكنّ أختي لم تكُن من اولئك الذي يعبأون لكلام الآخرين وخصوصاً حينَ يكون الزوج فرحاً بكونه سيُصبح أباً لأوّل مرة.

وها هيَ توشكُ على الخروجِ من شهرها وتأبى تلك الفتاة أن تُغادر حضانة أمّها لتستكشف النور تماماً كما يفعل أيّ مولودٍ جديد يبدأ في استكشاف العالم عبر تتبّعه للنور ويكانّه قد خُلِقَ من نور ويبحثُ عن اصله، أليسَ الطفل قبل أن يكبُر ويتشبّع بصفات اهل الأرض يكونُ عبارة عن ملاكٍ صغير يعشق الجميع تفاصيله الصغيرة حتى ابتسامته التي هوَ بنفسه لا يعلمها لكنّها تخرُج وتُذيب قلوب جميع من هُم حوله؟ هوَ كذلك حقّاً.

المهم انّها انثى، تلكَ الأنثى التي ابتدأتُ الكتابة فيها منذُ أربعة اعوام، كانت جُلّ مذكّراتي موجّهة إلى فتاةٍ ما منحتُها اسماً عشوائياً لكنّه يحمّلها العديد من الامور، و حين تبتدئ القراءة ستُصبح جُزءاً من تاريخها.

ستكونُ رفيقة أمّها ذات يومٍ حينَ تبدأ في تعلّم لغة الصغار أولاً، قد ينقطع نفس الوالد لوهلة حين يُصغي لصوتها الطفولي يُناديه ب "بابا"، ولعلّ هذه الطفلة هيَ من ستُشكّل العاطفة الحقيقيّة للعائلة، سيضطّر الوالد في مرّاتٍ عديدة لأن يُغادر عمله باكراً استجداءاً لكلمة "بابا" من فمها الطفولي قبل أن يكبُر ويبدأ في تعلّم أشياء أخرى ومعرفة اناسٍ آخرين غيره، سيتوهّج قلبه حينَ تُسأل أمامه عن احبّ الأفراد لقلبها فتُشير إليه، ستكون الرفيقة الحقيقيّة لوالديها. وسينضمّ لخططهما شخصاً ثالثاً كانَ مُجرّد حُلمٍ ذات يوم، وخُطّة ها هيَ قد نُفِّذَت.

وبعد عدّة اعوام سيجيء العديد من الافراد منهما لكنّ المحبّة ستكونُ مُركّزة في تلك الكبيرة التي كانت البدايات الحقيقيّة لكلّ شيء، حتى لو انجبا العديد من الذُكور تبقى حصّة الأوّل في تاريخهما هيَ الأكبر، وستكبُر ذاتَ يومٍ لتدخُل مراحل عديدة منطقيّة في حياتها تحتاجُ فيه إلى دفء ذويها وإلى سؤال " هل أنتِ بخير؟ " هذا السؤال سيكون كافياً لتكون بخيرٍ حقاً.

وستتزوّج لتمرّ حتماً بتجربة والدتها.

نصيحة: حينَ تُنجبي طفلكِ الاول أدخلي زوجكِ إلى غُرفة الولادة ليعلم حقاً كيف تكون الام المخاض وكيف يُمكن للروح ان ترتحل في تلك اللحظة، أدخليه إلى تلك الغُرفة ليَخرُجَ منها يعلم حقاً كيفَ انّ المرأة تشقى تماماً كما يفعل هوَ بل وتزيد على ذلك أضعاف المرّات، أدخليه أيضاً ليعلمَ بانّه لم يكُن ليتذوّق طعم الابوّة لولا حضانة جسدكِ لذلك الطفل طيلة تسعة أشهُر.