في انتظار الصباح... - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

في انتظار الصباح...

  نشر في 11 يوليوز 2022  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

الوقت بطيء، لا يريد أن يمر. والهواء البارد يضرب في تيارات سريعة الإيقاع، غير مبالي بوجعي ولا صمتي، ولا وحدتي.

أنا لست وحدي بالكلية، معي ربي. أحاول منذ أن استلقيت على السرير مناجاته، كيلا تنهار كافة أعصابي. أن ينهار جزءًا منها، فهذا هو العادي، أما كلها فلن أتحمل حدوث ذلك، خاصة مع تلك الزيارة المنتظرة، والتي في الواقع هي سبب قلقي وتخبطي.

وحقيقة الأمر لست وحدي أيضاً في معاناتي، أبي كذلك لم يستطع النوم، هو حتى لم يحاول مثلي. أما أمي و أختي قد سرقتا قسطا من النوم، لكن مع مباغتة ذلك القط اللعين الذي دلف لنا من نافذة الغرفة، عرفت أنهما قد دفعتا ضريبتهما مضاعفة؛ فصراخي وحده تكفل بنصف مهمة القط في افزاعنا! وهكذا استيقظتا فزعتين، أبي جاءنا فزعا، حتى أخي حضر من الدور الثاني، فقلت في سخرية مريرة بين نفسي: وكأن الحزن وحده لا يكفي!

أكره تقلب الأحوال منذ صغري، واكتشفت مع مواقف كتيرة أنني - وبرغم لعني الدائم للروتين - إنسانة روتينية. وسواء كان المنتظر شيء مبهج لنفسي أو شيء عادي لابد منه، يراودني ذات الشعور بالقلق والتوتر. لا فرق بينهما، وهذا لأنني لا أستطيع النوم مثل أغلب الناس في تلك الحالات.

أتذكر الآن أخي أحمد فقيدنا الغالي - رحمه الله - حينما كان يغادر مجلسنا مبكراً إلى الفراش، كونه في انتظار يوم شاق، فأسأله متعجبة: كيف تفعلها؟! بحق الله كيف تفعلون ذلك، هل ساعاتكم البيولوجية مرنة لهذه الدرجة؟

كان يضحك هو ويقول.. أنه أمر سهل!

لا، ليس سهلا على الإطلاق يا أحمد، ليس سهلا بتاتا انتظار الصباح، ومن ثم تجاوز ضجة الإفطار السخيفة والتي ستحدث في هالة من الكآبة، ثم عملية ارتداء ملابسنا التي ستتم في تكاسل مضن وبائس، فنحن لسنا ذاهبين لرحلة إن كنت تعلم، نحن قادمون إليك، لزيارتك يا حبيبي.

هل تلمح تناقضي هنا؟ اعذره، اعذر تشتتي وقلة حيلتي. أنا فقط لم أستوعب بعد، ذلك المشوار الذي لابد منه. لم أستوعب أنك صرت بعيدا عنا، في مكان ما وسط صحراء قاحلة، رغم أن روحك ليست هناك فعليا. فهي حرة، تطوف وتسكن كما شاء لها، أحس بك على الدوام عند زيارتك لنا، وأحس بحريتك وهي تجوب السماء والأرض في بهجة طير اكتشف قدرته للتو.

ألمح فيك ابتسامة ساخرة كعادتك أيها المحنك، كم أفتقد إلى بحر ثقافتك الواسع، والذي حتى الآن لا أعرف من أين جئت به؟! نسيت أن أسألك، يا لي من حمقاء حقا، ربما لأنني كنت أصاب بالذهول في كل مرة تصحح لنا فيها خطأ جسيم، أو توضح لنا حقيقة تاريخية كنا نغفل عنها، هنالك يصيبني الخجل والخرس فأصمت.

أعرف أنك كنت تقرأ فينا دهشتنا، وكنت تحب أن تصطادنا في لحظة جهل، لتفرد علينا حُنكتك وغرورك، لكنك سرعان ما تداعبنا وتضحك علينا، ونضحك معك ثم نضحك على جهلنا.

تعال يا حبيبي واظهر غرورك علينا كما تشاء، تعرف أننا لم نغتاظ منك أبدا ولم نحقد على ثقافتك يوما، كنت أنت موسوعتنا المضمونة، كنت مرشدنا في كل شيء، الحلول عندما كانت تستعصي علينا نلجأ إليك، ولم تخيب أملنا قط.

أثقلنا كاهلك ولطالما فعلنا، ألهذا اخترت طريق الحرية باكراً؟

أنت الآن لا تشعر بوطأة حزننا، فالذي يتذوق السكر ويذوب فيه صعب عليه تذكر طعم الملح. على كل استرح أنت في جنتك، أما أنا فعلي المقاومة حتى انتظار الصباح...


  • 2

   نشر في 11 يوليوز 2022  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

التعليقات

حزينة هي كلماتك،..بقدر صدقها و انسيابها و عفويتها
موجع هو الفقد ، الله يجبر الخواطر
1

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا