العابرون ثلاثة" أَزْمِنَة وأَمْكِنَةوأناسِيّ"..

الوقت، هو الآلة التي تقطف - كل يوم - ورقة من شجرة العمر، مُحقة فيما تقترف، سريعة العدّ، مستعصية على التوقف، كلما مددنا أيدينا لإيقاف حركة البندول أضفنا زمنًا آخر للهدر.

أعمارنا فروع عشرية، يبدأ غصن الحياة ليّنًا، يصلب عوده في طريقه نحو السماء؛ فيصير ساقًا، ينجب أفرعًا، فتضحى شجرة يستظل بها العابرون.

أكبر قطعة يطالها منشار الزمن، هي ما فوق الساق، فرعٌ غليظ يحمل أفرعًا كثيرة، تتكئ عليه العيدان النحيفة، هو السند لكل هذه الهوجةالشجرية.

مثلما كان عاملاً مساعدًا في النمو، يأتي الزمن على الشجرة فيقطف أفرعها سنة بعد الأخرى، حتى تنحني بقطفة منتصف العمر، فرع العشرية الثالثة، الأكثر متانة.

*******

الأَمْكِنَة، تحتفظ هي الأخرى بآثار خطوتنا، نرسم على جدارنيها ملامح المسير، حلوهِ ومرهِ، بريشةالمتقن، المنخرط في التركيز، ما إنْ ينتهي من رسم لوحة، فإذا القطار يضرب صفارة الإنذار، ها قد حان وقت مغادرة هذه المحطة، تاركين وراءنا لوحة رسمناها من الشرايين.

أغلب اللوحات نمعن في رسم ملامحها بقلب يريد المكوث بجوارها، لكن سُنَّة الأَمْكِنَة هي الأخرى تسلبها، نترك خلفنا عشرات الذكريات، محطات العمر ولوحاته، سلام عليكما.

*******

الشخوص، هم الماء الذي يروي شجرة الزمن، والألوان التي تزين لوحة المكان، هم أصل الحكاية ومضمون الرحلة، بل هم الحياة بواقعها وخيالها.

في حياتنا، الأشخاص هم السبب والنتيجة، الوقود والسيارة، فإما أن يكونوا سببًا في بناء شجرةِ عُمْرٍ مزهرة، أو خاملة لا روح فيها، مثلما لوحة المكان، إما أن تتألق فيها الألوان، بتناغم الخيال، وتراقص الفرشاة، فإذا برسمة يرثها المكان.

الزمان والمكان مسخران للشخوص، وجميعنا إما أن يندم على محطات عمره التي مرت، وقد انتهى الوقت ولا ينتهي من رسم لوحته، وإما أن يكون قد قطع شوطًا كبيرًا في تشكيل ألبوم حياته يافعًا.