لم يكن يبدو عليها شيء لأنه كان من بين مراسيمها المعتادة، ارتداء قناع السعادة و حمل لافتة أنا بخير من طلوع الشمس حتى منتصف الليل، تحاول جاهدة أن تتحدى نفسها بكل قوتها، لكي تحافظ على ابتسامتها و إن كانت مصطنعة، لم تحب أن تشارك أحد لهيبها الداخلي الذي تصارعه لإطفائه، فهي تخشى من إحراق محيطها معها فليس للجميع قدرة على تحمل ما تعانيه، كم كان يكلفها التظاهر بعكس ما تخفيه طيلة النهار الذي كان بحجم سنة عندها، فالإنتظار كلما طال ازدادت شوقا للإرتماء في حضن الليل والاستئناس به، فقد كان يربطهم الانسجام فالظلام الذي يكسو جدران روحها يشبه سواده، إذ اشتدت رغبتها في معانقة وسادتها التي تمتص دموعها، التي تتساقط من مقلتيها كسماء ماطرة في كل لياليها، عندما تنزف كل زواية مجروحة من قلبها بغزارة، حتى تكاد رغبة الصياح بصوت عالي تجتاحها، لكن لاتستطيع ليس أمامها سوى قمع نفسها و مواصلة مسرحيتها أمام الملأ.
ليلتها السابقة كانت كعادتها نفس الانهيار و الدموع و الألم، لكن هذه المرة غلبها الاشتياق وأخذها ذهنها إليه، فلم يبق لها سوى رؤيته ومحادثته في خيالها، أليس هناك أصعب من هذا التعلق؟
انتقلت روحها إلى حيث يوجد وجدته واقفا يستند على إحدى عكاكيز غروره، بينما هي ذاهبة إليه منحنية الظهر شاحبة الوجه كل ما يبدو عليها يوحي على الوهن، إلتقت عيونهم ولكل واحد منهم نظرات تحمل معاني مختلفة للآخر، نظرة حب و فرح لامعة ممزوجة بالحزن، و أخرى تقابلها يطغى عليها الغرور و الشفقة، عبرت له عن مدى اشتياقها وفقدانها له و يتمها ببعده عنها، أخبرته أنها تغار من كل شخص حظي بفرصة البقاء بجانبه دائما، سألته ألم يحن الوقت بعد لكي أنتقل من المركز الثاني إلى الأول؟ إلى متى سأحتل في كل اختياراتي المنتصف أو أجدني على الحافة لكي يسهل الرمي بي منها؟
استيقظت من أحلامها وكل ما بدأت تردده، هو يا إلهي كيف لي تخيل نفسي أضعها في هذا الموقف الذي يدل على شيء واحد؟ ألا وهو الخضوع و الدخول في خيمة سيطرة متعجرف، لا يدرك شيئا عن المشاعر وقيمة الحب، كيف لإثنين لهم لغة مختلفة أن يجتمعا؟ فالعاطفة و القسوة لا يمكن أن يلتقيا إلا إذا تنازل الطاغي عن كبريائه و تكبره، و يمنح لقلبه فرصة لكي ينال حقه من الرقة.
أمام ذلك الكم من التساؤلات التي طرحتها، كان لديها سؤال واحد لازال يثير حفيظتها لأنها عاجزة عن الإجابة عليه، تود كثيرا أن تطرحه عليه في الواقع، وهو إن قررت الابتعاد عني لماذا تركت لي طيفك و ذكرياتك ترابط في قلبي؟ متى ستعطي الإذن لجنودك لكي يطلقوا سراحي من سجن التعلق بك؟
✏️ لطيفة فراجي
-
لطيفة فراجي"ما الأوراق سوى مناديل.. تجفف بها الأقلام دمعها" الكاتبة أسمى الزهار