يا كُلُّ غُرْبَتي - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

يا كُلُّ غُرْبَتي

  نشر في 21 ديسمبر 2020 .

 لقَدْ جَمَعْتَ أعذَارِكَ ورَحَلْتَ هارِبًا إلى راحَتِكَ، لكنَّكَ تعلمُ أنني التي ما لَفَتَ يَومًا ناظِرُها الغيابُ، لطالما رَفَعْتُ يَدِيَ مُلوحةً لِكُلِّ شَخصٍ يُغادِرُني، هكذا أُحبُّ أنّ أُوَدِعَ الجَمِيعُ بابتسامةٍ مُمتَلِئةَ بالأمَلِ، لأنني على يقينٍ تامْ أنَّ كُلَّ مَنْ يَذْهَبُ سَيأتي شَخصٌ آخرَ بدلاً مِنهُ أو شخصين، وأنَّ الخَّيرَ والصِّدقُ هُما بمثابةِ مُثَبِتْ للأشخاصِ في قائِمَةِ علاقاتي، خلا ذلكَ فلا أحدَ يَستَحِقُ فُرْصَةً واحِدةً ولو دَفَعَ تذكرةِ الحُضورِ في حياتي، ومَنْ يُرِيدُ الرَّحيلُ فليَرْحَلَ لستُ طفلةً صغيرةً حتى أتَمَسَكُ بِثَوبِ مَشاعِرُكُم البْالِيَةَ وأترجى، لا نُواحُ هُنا ولا بُكاءُ، وبِما أنني امتَلِكُ ذَاكِرةً تُمْحي مَنْ يَبْتَعِدُ فلا يَعودَ شَخصٌ مألوفاً لدي، ويَدايَ تُرخِي تَماسُكُها مع أيادي النْفاقِ والخِّداعُ، فلا عَلاقَةُ لي تَدومُ فَترةً طَويلةً مع الغْرباءِ. 


غُرَباءُ هم أتوا وغُرَباءُ عادوا ، أنتَ أيضاً رَحَلْتَ مِثلَهُم واختَرتَ أنّ تَعوْدَ غَرِيبًا، لكنْ ما الذي جَعَلَ مِنكَ شيئًا مُهِمًا؟ كَيفَ استَطعتَ احتِلالُ ذَاكِرتي؟، وكَيْفَ كانَ لكَ الجرأةَ بَعْدَ كُلِ جُرعةٍ مِنْ سُمِّ الأكاذيبِ أنّ تَنظُرَ إلى عَيْنايَ بِحُبٍ وتَعاطُفْ؟ لم أعُدْ اؤمنُ بِنظرَاتِ العْيُونِ بَعْدَ أنْ ثَمِلتُ مِنْ عَيْنَيكَ وحُجِبَ عَنْ قلبي رؤيَةِ الحْقيقةِ، وما الحَقيقةِ سِوى أنَّكَ لم تُحِبُني بِصِدقٍ ولو لِمرةٍ واحدةٍ، لطالما تَفاخرتُ بَيْنَ النَّاسِ بأنني امتلكُ شخصاً لنْ يَتَخلى عَني، شخصٌ وُجودَهُ يُمحِي وُجودَ الآخرينَ مِنْ حَولي، مَدَحتُكَ وزَففتُكَ بِالشِّعرِ وقُلْتُ لَكَ أُحِبُكَ مَراتٍ لا تُحصى، أحبَبتُكَ كَما تُحِبُ الأرضُ المْطَرَ، وكَما يَهوى الخَّريفُ تَراقُصُ أوراقَ الشجرِ، أحبَبتُكَ بِقَدَرِ اشتياقُ العشاقُ لِبَعضِهم بَيْنَ كُلِ لقاءٍ ولقاءُ، لكنَّنا ما جَلَسْنا لِلَحظةٍ في منزلةِ العْاشِقين فَقَدْ كُنتُ ثملةً حَدَّ السَّذاجةِ وكنتَ كاذباً محتالاً.


يَدايَ بَعْدَ رَحِيلِكَ عانقَها البَردُ، والرْوحُ تَبكي وتَنتَظِرُ الشِّتاءُ حتى يَغسِلُ كُلَ مشاعرُ الزِّيفُ التي تَمَلَكتْني، وفي كُلِ ليلةٍ مُنْذُ أن فارقتَكَ أجلسُ بجانبِ النَّافذةِ أتَسامرُ مع النُّجومِ لعلِّيَ أشعرُ بِالنُّعاسِ قليلاً، لكنَّها مُحاولةً فاشِلةً لِلنومِ، لا أدري لما أُصابُ كُلَّ ليلةَ بِقَلَقِ الذِّكرى، بالرَغمِ مِنْ ذَلكْ فلا استسلمُ وأحاولُ مرارًا وتكرارًا أنْ أصابَ بِشِفَاءِ النِّسيانُ فأبحثُ في الذَّاكِرَةِ عن جُرعاتٍ من الوْعُودِ الزَّائفةِ، لكنَّها تغدو فاسدةَ أمام حُبيَ الأعمى لكَ،  فأكتبُ عنكَ، وحين ترى الأوراقُ حروفَ ضُعفِيَ تَصفَعُني بشدةٍ فما اعتادت يَومًا على سماعِ خُطُواتِيَ المَهزُوزَةِ، والقْلَمُ لم يَكُن لِيتراقَصُ على مُوسيقى حُزنْي، إلا عِنْدَما دَخَلْتَ عَالَمي فَقَلبْتَ المْوازين، غَدَوتُ الأن أنا الغْريبَةُ في عَالَمي، وما زالَ تأثيرُ خُمرَةَ عَيْنَيكَ عَالِقٌ في دَاخِلي، وما زِلتَ تَجلسَ على عرشِ الذَّاكِرَةِ، لكنَّني مُؤمِنةً أنَّ القْوةَ التي في دَاخِلي سوفَ تَنفِيكَ يومًا خارجَ قلبي وأوراقي.


آلاء بوبلي 


  • 4

  • آلاء بوبلي
    في داخلي تنتقل الحروف مع خلاياي فتشكل قصص و روايات و الكثير الكثير من الأغنيات ، لكن من الخارج لا يوجد شيء كهذا فكل ما يسيطر هو الهدوء.
   نشر في 21 ديسمبر 2020 .

التعليقات

Dallash منذ 3 سنة
كالعادة ..أكثر من رائعة سلم المداد
2
آلاء بوبلي
شكرا لك على تشجيعك الدائم، بارك الله فيك.
Dallash
تحياتي
شاعر النيل منذ 3 سنة
يا غربة مرت بالوجدان قبل رحيل الأبدان من وطن إلي غربة بلا أمد
شكرا لكلماتك
2
آلاء بوبلي
عفوًا، سعيدة بمرورك أستاذ.

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا