أشباه الحضارات .. - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

أشباه الحضارات ..

  نشر في 20 أبريل 2016 .

حين قصد المفكر علي شريعتي زيارة القاهرة وراح يطوف بها ليشاهد الأهرامات التي عدت من عجائب الدنيا ظل الدليل الذي كان يرشده ويشرح له تلك الحضارة يحدثه عن الأهرامات والإبداع في صنعها والطاقات التي فنيت من أجلها ،وفي أثناء جولته تطلع شريعتي فإذا أكوام من الحجارة قد صفت على مقربة من الأهرامات حينها سأل المرشد الذي يرافقه فأجابه بأن هذه مقابر جماعية كان يلقى فيها العبيد حين يهلكون !! وزاد أنه أخبره أنه ومن شدة مشقة العمل على هؤلاء الأشخاص كان يهلك مئات منهم يوميا فيلقون في تلك المقابر ويُأتى بغيرهم كي يستكملوا العمل ..

تساءل شريعتتي حينها كم من العبيد هلكوا في مقابل بناء قبر عظيم لفرعون من فراعين مصر والتاريخ !!

إن المتطلع بدقة إلى حدث كهذا يعلم عظم الجرم الذي ارتكبته بعض الحضارات المزعومة مذ بدء الخليقة وحتى يومنا هذا ،حين كان فرعون مصر يتطلع إلى بناء مقبرة سيخلد ذكره في التاريخ كان ينظر إلى القيمة المادية إلى الشيء الملموس الذي سيكي عنه التاريخ على صفحاته،ويبقى العبيد ،يبقى الإنسان الذي لولاه لما وجدت مثل هذه المشيدات على الهامش ،لا يشار إليه ولو بسطر أو كلمة عرفان حتى تكتب على جدران المعابد مثلا ..

إن كل حضارة لم تعط للإنسان قدره هي من أشباه الحضارات ،أراد المعظمون لها أن يشابهوا الحضارات فتطلعوا إلى الناتج النهائي الناتج المادي حتى وإن كان سيفني في خضمه الإنسان الذي يجب أن يكون مناط كل حضارة أو ثقافة ناشئة وأولى أولوياتها على طول الطريق .

ما الذي قد يجعلنا ننخدع ؟

كثيرون هم من تخطفهم مظاهر خداعة وتقدم عمراني أو اقتصادي ربما ،فيظنون أن أرباب ذاك التقدم هم أهل حضارة يستحقون التقدير وربما التقديس حتى ،والحقيقة أنه ليس كل إنتاج مادي هو وليد حضارة حقة ..فالحضارة كما اتفقنا تضع الإنسان وقيمته نصب أعينها بل ولنقل أنها تضعه موضع القداسة ..إذا فليس كل زينة خارجية وبهرجة خاوية هي دليل على حضارة عظيمة ..

الواقع أن كل رقي ظاهر لا يضع نصب عينيه الإنسان ويقدس مكانته ويسعى أن يكون كل شيء مسخرا لخدمته لا أن يكون هو (الإنسان) مسخرا لخدمة أشياء أخرى مادية هو هباء ..

إن الدول التي شُيدت على عرق ودماء صنوف من العبيد ،كالهنود الحمر والأفارقة السود الذين استُنزفوا في حرث الأرض والزراعة وإقامة إرث مادي ،حققت تقدما باديا حقا لكنها خواء ،فقد الإنسان القديم بل والحديث حتى في طياتها قيمته ،القديم استنزف فعاش بائسا محروما والحديث صار محض وسيلة لإنتاج المزيد أو لتحقيق عائد مادي أكبر ،يعود على الدولة قطعا ،صار الإنسان فيها آداة لتحقيق مزيد من الإنتاجات المادية قبل أن تكون هذه الإنتاجات والأشياء آداة لتحقيق سعادته ورفائه !!

نهاية ،ربما علينا أن ننظر إلى التقدم من زاوية أخرى ونطلع إلى الحضارة بمنظور سليم بمنأى عن الناتج المادي لها ،فليست كل الإنتاجات المادية هي وليدة حضارة حقيقية لكن الحضارة الحقيقية يصير بمقدورها صنع إنتاج مادي ملموس وإن لم يضاهي في كل الأوقات نتاج حضارة زائفة .


  • 19

  • Heba Hamdy
    الكتابة صرخة ،نطلقها بعد أن تروض الحياة أحبالنا الصوتية على الصراخ المكتوم ...
   نشر في 20 أبريل 2016 .

التعليقات

أمّا الآن فإنّهم يدفنون أرواح النّاس و هم أحياء في مقابر البؤس و الحرمان من أجل حضارة أو تاريخ يلعنهم منذ البداية.. و يتتابع أولاد فرعون واحداُ تلوى الآخر، عبر الزمن و في كلّ قطر، فقط تختلف الطريقة التخليد.
0
محمد خلوقي. Khallouki mhammed
مقالة مميزة تنم عن عمق في التصور عن هذه بعض المطاهر البراقة التي أمسى الاحتكام اليها لتقييم وتقويم الرقي الحضاري. والواقع كما تم الإشارة اليه ان الامم تخلد نفسها بقيمها المعنوية الأصيلة كالعدل والتكافل والحريّة واحترام الحقوق ، وبناء المواطن الصالح وتربية الفكر الوسطي .. اما البنيات والأهرامات وناطحات السحاب فمآلها في يوم من الأيام الي بطن التراب..فالميناء لا ينسى سفينة صغيرة رست به وقد كان على متنها بحارة مغامرون اشداء . نعم ..المفكرون الكبار الذين يعيشون بيننا رغم تقادم العهد ليس بسبب علو مساكنهم وفرادة منازلهم .. ولكن بسبب ما تَرَكُوا من فكر نير وتصور وازن .. هكذا كان الأفراد .. وكذلك تكون حضارات الشعوب .

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !


مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا