غريزة القتل - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

غريزة القتل

  نشر في 07 شتنبر 2017  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

رائحة الدماء تزكم أنفي !
أَنظُرُ إلى نفسي والسكين في يدي يقطُر دما مُغرقا أصابعي ويدي نزولا إلى ثوبي ثم الأرض. 
هل أنا من فعل هذا حقا !؟
لا أكاد اصدق أن غضبي الأعمى سيُحوِلني في يوم من الأيام إلى سفّاحةٍ مجرمة، تتلذّذ بذبح الأبرياء فقط لإشباع جوعِها لأنَّاتِهم المتقطِّعة ورُؤية نظرات التوسّل في أعيُنِهم، وعطشها الدّائم لرائحة الدّم الطازج ولونِه القرمزي الجميل.
لا يزال أحد الأوردة سليما، فأحكمت قبضتها على سلاحها ومزّقته ليُطرطش قليل من الدم علي وجهها ويُلطِّخ بشرتها الناعمة البيضاء ببقع حمراء لزجة. لكنها لم تنزعج من كل تلك الفوضى، بل اكتفت بالابتسام وهي تراقب في هدوء الوريد المقطوع يضخّ مزيدا من الدماء على جسد الضحية.
لقد أنجزت مهمتها على أكمل وجه، وبكلِّ فخر وكبرياء أضافت إلى سجل جرائمها رقما آخر مكتوبا بدم الضحية كتقليد وثني قديم.
- الآن بعد أن ذبحتكِ يا عزيزتي المسكينة سأبدأ في المرحلة الثانية. لا تخافي لن أؤلمك كثيرا كما في المرة الأولى فأنت لن تشعري بشيء علي أية حال... لأنك ميتة !
نظرت إلى الجثة بعينين خاويتين لبرهة من الزمن، ثم قهقهت بصوت عالٍ وهي تقول:
- أتعلمين أمرا يا عزيزتي ! انك تعجبينني أكثر وأنت على هذه الحال، هادئة ومطيعة تماما كما أُريد.
أخذت الشابة سكينا أصغر بقليل من الأوّل وتأكدت من أنه حاد كفاية بطرف إبهامها، ثم شرعت في سلخ جلد الجثة بحذر بالغ. وعندما انتهت، برقت عيناها بلمعة وحشيّة وقالت بصوت مبحوح أشبه بفحيح الأفعى:
- واو ! أتعلمين يا عزيزتي أنكِ تملكين ثروة غالية، لقد أبهرتني حقاً !! لا تقلقي سأجعل من لحمك الوردي الجميل هذا وليمة شهية لنفسي ولن أُهدره للديدان. سيكون هذا جزاءً مناسبا لكلِّ ما سببته لي من تعب وإزعاج.
وبينما هي منهمكة في استخراج الأحشاء وتقطيع اللحم، تحرك مقبض الباب بهدوء. أيُعقل أنهم اكتشفوا أمري؟ أنا لم أنتهي بعد.. ماذا عليَّ أن أفعل؟ لا.. هذا لا يُعقل !
ساد سكون حذِر المكان قبل أن يتحرك مقبض الباب مجدّدا ولكن بحركة أَعنف هذه المرّة. ثم فُتح الباب ودلفت امرأة من العقد الخامس إلى المكان.
- آه ! هذه أنتِ يا أمي، لقد أخفتني. لماذا أتيتِ؟ هل من خطب ما؟
لكن المرأة لم تنبِس ببِنت شَفة، بل بقيت تجول ببصرها في أرجاء المكان وقد شخِصت عيناها وفُغِر فاها كأن الكلمات قد تحجّرت داخل حلقها من هَول ما رأت.
سكاكين من كل الأحجام والأشكال مغروزة في لوح تقطيع خشبي ضخم، قطع من الجلد الممزّق مبعثرة هنا وهناك، صينية مملوءة باللحم المقطّع فيما العظام ملقاة بإهمال في حوض الغسيل المعدني. وما ذاك بحق الجحيم ! كيس من البلاستك الشفاف به رأس مقطوعة وملبّدة بالدماء وقدمان و... أمعاء !
ثم نظرت إلى ابنتها وقد كانت هي الأخرى تقطُر دما فلم يُفِد مئزر الطبخ نفعا في حماية ملابسها من ذلك السائل اللّعين.
ركزت المرأة نظرها على لون الجلد ثم عادت ونظرت إلى الكيس ثانيةً وكأنها بدأت أخيرا تستوعب ما يحدث. فجأة امتقع وجهها ثم شهقت بقوة ووضعت كفّها على فمها بحركة عفوية سريعة كأنها تحاول منع نفسها من الصراخ و... التقيّؤ !
وضعت ميريام يدها المرتعشة على الجدار محاولة إسناد نفسها وقالت بصوت مرتعش:
- سارة..؟ هل هذه سارة !؟
- أجل.
تراجعت ميريام خطوة إلى الوراء وهي تنظر إلي الكيس بعينين دامعتين، فقد كان وقع الإجابة كالصاعقة على قلبها الرقيق. ثم قالت وعيناها ما تزال معلّقتان على الكيس:
- لماذا؟
- لقد أزعجتني كثيرا وأنت تعلمين هذا.
-  هل كان عليكِ فعل هذا مجددا؟
- ليس باليد حيلة.
- أيُتوجّب عليكِ تلطيخ المكان كلّه في كلّ مرة؟
- لم أستطع التحكم في نفسي، تعلمين كيف أُصبح عندما أرى الدم.
- متوحّشة !
- ...
- ألا تخشين أن يكتشف أحدهم أمرك؟
- لا... صمتت قليلا ثم أضافت: الوحيد الذي اكتشف أفعالي توليت أمره بسرعة وسلاسة.
- آه لبول المسكين ! كم افتقدت سماع صوته العذب كل صباح.
حدّقت الفتاة إلى انعكاس وجهها على نصل السكين البارد وكأنها تسترجع ما حدث ثم قالت بنبرة هازئة:
- نعم.. بول الغبي ذاك ظن أنه سيفلت مني بعد أن لمحني أقطّع أحدهم من النافذة ولم يعلم أنه سيكون التالي على قائمتي. يا لسخرية القدر !
- ألن تتوقفي عن فعل هذا يا بنيّتي؟
- لا ! ليس بعد ما أصبحت عليه الآن.
- ولكن... توقّفت ميريام فجأة عن الكلام فهي تعلم أن هذا لن ينفع أبدا خصوصا مع ابنتها.
- حسنا إذا، أسرعي ونظفي المكان عندما تنتهين سأخرج للحديقة فأنا لا أحتمل هذه البشاعة.
ضحكت الشابة بهدوء وقالت:
- أنت تقصدين فنّ.
أجابت ميريام وقد بدأ غضبها يستشيط:
- هل تسمين القتل فناً ! أي مخلوقة أنت؟
انتبهت الأم أنها أخطأت في صراخها على ابنتها، فحاولت أن تكتم غيظها وتصلح الأمور
- حبيبتي، عندما رُزقت بك سميتك "انجل" تَيَمُّنًا بالملائكة فقد تمنيت أن تكوني ملاكا، ملاكا للرحمة.
- نعم يا أمي أنا كذلك، أنا ملاك... ملاك الموت !
نظرت ميريام في عيني انجل، كانتا باردتين وقاتمتين وأحسّت فيهما مزيدا  من العطش للدماء. فعلمت انه لا جدوى من محاولة ثنيها عن هوايتها الغريبة.
- أسرعي في تنظيف المكان يجب أن يكون العشاء جاهزا عند عودة والدك.
- لا تقلقي يا أمي فالدجاجة لن تهرب إلى أيّ مكان على أيّة حال، على الأقل ليس بعد ما فعلته بها.
- آه يا سارة المسكينة ! ما الذي فعلته بكِ هذه الشقيّة المجنونة؟
- أمي كونك نباتية لا يعني أن أحرم نفسي من هذه المتعة، فغريزة القتل تسري في جسدي سريان الدم في الشرايين.
رمقت ميريام ابنتها شزرا ثم انسحبت إلى الخارج في صمت تاركة إياها تغرق في مزيد من الدم !
- النهاية -


  • 2

  • Amel Bousselmi
    باحثة في الأديان و الحركات الباطنية
   نشر في 07 شتنبر 2017  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

التعليقات

creator writer منذ 7 سنة
و اقول ( أي كاتبة مجنونة انتي ?! ) ، إن كنتي فعلا تحبين هذا النوع من الكتابات عليك بقراء روايات (حسن الجنــدي) ، ستلهمك كتاباته لتصبحي مجنونة بحــق !

موفقة بإبداعك الخاص :)
1

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا