رسالة إلى مسؤول دائرة الوعظ والإرشاد في وزارة الأوقاف - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

رسالة إلى مسؤول دائرة الوعظ والإرشاد في وزارة الأوقاف

  نشر في 16 يناير 2016 .

السيد: مسؤول دائرة الوعظ والإرشاد في وزارة الأوقاف المحترم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد:

رسالتي قد تكون طويلة إلى حد ما، لكنها تحمل في طياتها مجموعة من الملاحظات على الخطباء الذين ترسلونهم إلى المساجد، كونكم الجهة المسؤولة عن هذا الأمر.

بداية نؤكد على أن يوم الجمعة ليس يوماً عادياً في حياة المسلمين، بل له مكانة خاصة. والله تعالى أنزل سورة كاملة تحمل اسمه تكريماً وتعظيماً لهذا اليوم. ويعتبر "خير يوم طلعت عليه الشمس... فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة" [مسلم].

إن اجتماع المسلمين لصلاة الجمعة، هو بمثابة اجتماع جماهيري، لكنه ليس اجتماعاً سياسياً، أو مهرجاناً خطابياً لأي من الجماعات السياسية، إنما هو تلبية لنداء الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [الجمعة9].

في هذا الاجتماع يتأمل الحضور من الخطيب أن يأتيهم بشيء جديد يضاف إلى معلوماتهم الدينية، أو تصحيح معلومات خاطئة أو ناقصة حول المسائل الدينية، أو يقدم تأصيلاً شرعياً للظواهر الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في المجتمع. لكن الواقع خلاف ذلك تماماً. إذ أصبحت صلاة الجمعة مجرد اجتماع تقليدي؛ لأداء الصلاة فقط. هي مجرد عادة وليس عبادة. لهذا نجد الخطيب يعتلي المنبر ولازال المسجد فارغاً. إن الخلل لا يكمن في المصلين بقدر ما هو كامن في الخطباء الذين ترسلونهم إلى المساجد؛ ـ لأن المصلين يؤدون دور المتلقي فقط ـ. فإن لم يكن الخطيب متمكناً، ومفوهاً، ومحبوباً، ومرغوب فيه بين المصلين فإن الواحد يساق إلى المسجد كمن يساق إلى النار.

فيما يلي نرصد العديد من الملاحظات على خطباء الجمعة في مساجدنا:

(1) توجد (مجموعة كبيرة) من الخطباء من غير المختصين في العلوم الشرعية:

فيهم (الطبيب، المحاسب، البيطري، الممرض، البنى... إلخ)، غير مؤهلين بشكل جيد للقيام بدور دعوي على الوجه الأكمل. لذلك تجد خطبهم عبارة عن (قص ولصق). كي يريح نفسه، ولا يكلفها عنت البحث عن المعلومة من مصادرها الصحيحة. خطبهم منقولة من المواقع الدينية على شبكة الإنترنت، أو من كتاب، أو كتيب، أو نشرة دينية، أو شريط كاسيت. دون التأكد من صحة الأحاديث والآراء الواردة في المصدر المنقول منه. بل بعضهم ينقل خطبته نصاً وحرفاً دون تطويع للمعلومة بما يتماشى مع واقعنا، أو على الأقل يحذف من الخطبة الكلمات والفقرات التي لا تتماشى مع مجتمعنا.

أذكر أني حضرت خطبة لأحد الخطباء أثناء العدوان الصهيوني على غزة (2008-2009م). كان الخطيب قد نسخ خطبة كاملة للشيخ/ عبد الحميد كشك ـ رحمه الله ـ، التي استغرقت ساعة كاملة. ـ لاحظ إلى أي حد قدّر هذا الخطيب الظروف الأمنية الحرجة التي كان يعيشها الناس وقت العدوان! ـ. وقد استخدم نفس كلمات الشيخ عبد الحميد كشك في إحصائه لأسماء الله الحسنى، ووقفاته، ومواطن الغضب ورفع الصوت وخفضه، ومواضع الطرفة. كل هذا في عِداد المقبول. إنما المصيبة حينما يتحدث عن سجن (أبو زعبل)، ما لنا ولأبي زعبل!

(2) خطباء صغار السن:

أغلب الذين يترددون على مساجدنا في أوائل العقد الثاني من العمر. هذه الملاحظة ليست انتقاصاً منهم، ولا تقليلاً لشأنهم. بل في حالات كثيرة أشجع مثل هؤلاء لتأهيلهم للقيام بدور دعوي وفعال في المجتمع. لكن العينات التي نراها ـ كما يقولون ـ (لا يملئون المكان الذي يقفون عليه). وجوههم طفولية، ونبرات صوتهم ضعيفة، وخبرتهم في الحياة قليلة. لا يستطيعون استدعاء الأحداث والمواقف لتدعيم خطبهم، وإن حاول أحدهم فعل ذلك يتلعثم ويتوقف فجأة عن الحديث، ولا يجد كلمة أخرى تؤدي المعنى الذي يريده، فيترك الجملة مبتورة، وينتقل إلى موضوع آخر. وربما يتفوه أحدهم بكلمات لا يدرك كنهها. أذكر أحدهم قال في أول جمعة بعد انتهاء عدوان (2008-2009م)، ـ سمعت ولم ينقلها لي أحد ـ: "لا أبالغ إن قلت أن فرقاننا أعظم من فرقان رسول الله صلى الله عليه وسلم"!.

(3) موضوعات الخطبة لا تناقش مشكلات وقضايا الواقع المعاش:

أغلب الموضوعات التي يتطرق إليها الخطباء هي تكرار. ليست مبالغة ولا تجنياً عليهم. إن موضوعاً واحداً تحدث به ثلاثة خطباء في ثلاث جمع متتاليات في نفس المسجد!

الموضوعات التي يطرحها الخطباء في أكثرها لا تلامس قضايا وهموم الناس ومشكلات المجتمع. تجد الخطيب يسرد الأحداث التاريخية، كقوالب جامدة دون ربطها بالواقع؛ لاستنباط العبر والأحكام. وبعضهم يتعامل مع النصوص القرآنية والأحاديث النبوية بشكل سطحي، دون شرح معمق. ويقتصر دوره على النقل دون تدقيق أو تمحيص.

بعض الخطباء إن تناول مشكلات المجتمع لا يعالجها برؤية شرعية مستنيرة.

أنّى لهذا الخطيب أن يؤصل شرعياً لمشكلات المجتمع وهو غير متخصص ومؤهل؟!

بعض الخطباء نسي دوره الشرعي، ونصّب نفسه محللاً سياسياً وخبيراً استراتيجياً في الأمور السياسية والعسكرية. فجاء إلينا كأنه ناطق إعلامي باسم الجماعة التي ينتمي إليها ليسوّق لنا أيديولوجيتها ورؤيتها السياسية. فإذا به يؤجج الخلافات، ويعمّق الانقسام بدلاً من أن يكون حريصاً وأميناً على توحيد الصف، وتعزيز المصالحة النفسية والاجتماعية.

(4) خطباء غير مؤهلين لغوياً:

الواحد منهم يقع في أخطاء لغوية ونحوية "قاتلة". لا يجيد أبجديات قواعد النحو. فينصب المجرور، ويجر المرفوع. وبعضهم يستخدم كلمات ركيكة، ولهجة عامية لا تليق بالمكان الذي يقف عليه. إذ المفترض في الخطيب أن يحافظ على ما تبقى من فصاحة اللغة.

(5) افتقار الخطيب إلى مهارات الخطابة:

الغالبية العظمى من الخطباء الذين يترددون على مساجدنا يفتقدون إلى مهارات الخطابة. تجد أحدهم يركز نظره على المصلين في صلب المسجد ويهمل طرفيه. وآخر كل خطبته صراخ مذ يعتلي المنبر إلى أن ينزل. يضجر منه الناس، ويسبب لهم "تلوثاً سمعياً". وثالث على النقيض، يهمس للناس همساً، "فيغشى على الناس النعاس". في كلا الحالتين ينتظر الناس على أحر من الجمر أن ينه خطبته على خير. في أحيان كثيرة تشعر أن الوقت قد تآمر عليك مع الخطيب وقد توقفت عقارب الساعة عن الدوران. وثالث لا يجيد إلا التلويح بيده، رافعاً أصبع السبابة محذراً ومهدداً. خيّل إلي لو وكّل بباب الجنة لم يدخل أياً من الحضور الجنة.

بعضهم يطيل في المقدمة وقد تستغرق (5-10) دقائق، ويغرق نفسه في السجع والإطناب، والكلمات المترادفة. بعضهم لا يرفع رأسه من الورقة، يقرأ الخطبة كأنه يقرأ من جريدة أو كتاب. أشعر أحياناً أن الخطيب لا يدرك معنى ما يقول؛ لأن جمله مفككة، وكلماته متناثرة، وعباراته وفقراته لا علاقة للأولى بالثانية. بعضهم إن رفع رأسه للحظة تجده يتلعثم ويبحث عن السطر الذي توقف عنده. وبعضهم لا يجيد قراءة الآيات القرآنية بشكل سليم، ـ لا بالحركات ولا بالأحكام ـ.

الأخطر والأسوأ من بينهم، الذي يوزع الحلال والحرام والتكفير دون ضوابط شرعية.

(6) التناقض بين القول والعمل:

تجد الخطيب يسرد على مسامع الناس قائمة طويلة من الحلال والحرام، والمحظورات الشرعية. وفي بعض الأحيان يحمر وجهه، وتنتفخ أوداجه ويعلو صوته غضباً. فإذا بك تجده خارج المسجد يأتي بأغلب المحظورات التي نهى الناس عن ارتكابها! الأمثلة على ذلك كثيرة، وأكتفي بمثالين فقط.

أحدهم استغرقت خطبته قرابة (45) دقيقة، وهو يحدثنا عن "الغيبة والنميمة"، وموقف الشرع منها. وقد استدعى الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تحرمهما. ما هي إلا أيام قليلة، ووجدته يقع في المحظور الذي كان قد نهانا عنه. ومن كان ضحية غيبته (جده وأعمامه). خطيب آخر يدعو الآباء إلى منع بناتهم من التبرج والسفور فرأيت ابنته لم تدع لوناً من ألوان الماكياج إلا وقد وضعته على وجهها، ولم تدع لباساً ضيقاً إلا ارتدته!

خلاصة قولي: إن حل مشكلات وعيوب هذا الصنف من الخطباء يتحمل مسؤوليته بشكل رئيسي دائرة الوعظ والإرشاد في وزارة الأوقاف. إذ المفترض أن تقوم الدائرة بعقد دورات تأهيلية للدعاة في مختلف العلوم الشرعية (فقه، حديث، تفسير، علوم القرآن، العقيدة، السيرة) بشكل دوري ومكثف. بالإضافة إلى عقد دورات تدريبية في مهارات وفن الخطابة، ودورات في اللغة العربية.

قد يأتي رد الدائرة أنهم يعقدون مثل هذه الدورات، لكنها بحاجة إلى آلية جديدة في طريقة العرض والأداء. وأن يتشددوا في اختيار الخطباء، وأن يخضعوهم لاختبارات قبل أن يرسلوهم إلى المساجد. أضف إلى ذلك أن تقوم الدائرة بجولات ميدانية يوم الجمعة؛ لتفقد أحوال الخطباء وطرق أدائهم، وتقيّمهم من خلالها. وأن تهتم بخطباء المساجد التي على أطراف المدن والقرى كاهتمامها بالمساجد التي في قلب المدن، علهم بهذا يعيدوا الهيبة إلى خطبة الجمعة؛ كي يأتي الناس إلى المسجد بقلوب ونفوس منشرحة، لا أن تشعر بأنهم يجرون إلى المساجد جراً ليؤدوا الصلاة على مضض.

أ. بسام أبو عليان

16/1/2016



  • د. بسام أبو عليان
    محاضر في قسم علم الاجتماع ـ جامعة الأقصى. محاضر سابق في جامعات: (الأزهر، والقدس المفتوحة، والأمة للتعليم المفتوح، وكلية المجتمع). مدرب في مجال التنمية البشرية.
   نشر في 16 يناير 2016 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا