تجارب من هنا وهناك - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

تجارب من هنا وهناك

  نشر في 27 نونبر 2017 .

كتب المقال أحمد الصارمي : حياة الانسان لو جمعت أو اجتمعت له لوجدها مجموعة من التجارب تمر عليه بين ترح وفرح وبين شد وجذب ، والانسان فيها مبتلى مسير ومخير في صراع بين شر وخير ، والله عز وجل ما جعل هذه الدنيا بدار مقام وسرور بل جعلها دار ابتلاء وعبور ، ومع الأسف بعض البشر زهدوا عن الدار الباقية بانشغالهم بالدار الفانية، ونسوا الغاية من خلقهم بسبب ركضهم وراء ملذات الدنيا ومتعها الزائفة ، والدنيا أقصر من أن نقضي أوقاتها في أمور تافهات ونمضي العمر فيها بالملذات فتنصهر الغايات الجليلات وراء متع مؤقتات.

ولقد قال الله عز وجل في وصف قصر أجل الدنيا في كتابه الكريم:

﴿ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ ﴾

بل أن متع الدنيا لو احصيت لوجدت أقل من القليل ولذلك قال الله في ذلك: ﴿ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ ﴾ ، كما حذر الله عز وجل من الاغترار بالدنيا في عدة آيات محكمات كقوله عز شأنه وتقدست أسمائه: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾ .

وورد أن عامر بن عامر الهمذاني أنشد واصفا الدنيا يقول:

إنما الدنـــيــا إلى الجــنة والنار طـريق

والليالي متجر الإنسان والأيام سوق

والانسان من خلال حياته تتجمع لديه الكثير من التجارب يتصرف ويتعامل مع الكثير منها ببساطة ومن خلال الفطرة الإجتماعية التي عاش عليها ، وهذه التفاعلات مع الاحداث التي تمر على حياة الانسان تسمى تجارب وقد تدرس للأجيال القادمة وبالذات تلك التي يكون فيها نصر وتمكين بعد ظلم أو تلك التي يكون فيها فرح بعد ترح ، على أن هذا الخليط المتجانس ما هو إلا ابتلاء وامتحان من الله للعباد.

ولقد قال الحسن بن السكن بن سليمان :

حيــاتك بالهــم مقــرونة ..... فـما تقطـع العيش إلا بهم

لذا ذات دنياك مسمومة ..... فما تأكل الشــهد إلا بسم

كما وصف الخليفة عمر بن عبدالعزيز الدنيا وصفا غاية في الدقة والبيان والتفصيل حين قال:

"بقائها قليل ، وغنيها فقير ، وشابها يهرم ، وحيها يموت ، فلا يغرنكم إقبالها مع مـعرفتكم بسرعة إدبارها فالمغرور من اغتر بها ، الركون إليها خطر ، والثقة بها غرر ، كثيرة التغير ، سريعة التنكير ، أمانيها كاذبة ، وآمالها باطلة ، عيشها نكد ، وصفوها كدر ، والمرء منها على خطر ، إن أضحكت قليل أبكت كثيرا ، وإن سرّت يوماً ساءت أشهراً وأعواماً ، غناها مصيره إلى فقر ، وفرحها يؤول إلى ترح ، وهيهات هيهات أن يدوم بها قرار ."

ووصفها أحد الشعراء فقال:

أحلامُ نومٍ أو كظل زائل ...... إن اللبيب بمثلها لا يخدع

وهنا نحاول أن نقف عند بعض التجارب وقفة تأمل وتدبر ونصف ما حدث وما قد يحدث من خلال تجارب متفرقة من هنا وهناك ، هذه التجارب لم تحدث في مختبرات الكيمياء وليس فيها مزج بين عناصر ومواد بل هي تجارب حياتية ، وهذه التجارب لم ترتب بحسب وقوعها ولا أهميتها وإنما هي كالخواطر، فالمجال متروك والخيال مفتوح والحياة دروس والتجارب مدرسة للتعلم والتعليم.

التجربة الأولى: يا فرحة ما تمت

(إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ ۖ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77) قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي ۚ أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا ۚ وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (78) فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ ۖ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ (80) فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنتَصِرِينَ (81) وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ ۖ لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا ۖ وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (82) تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83) مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا ۖ وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (84)

وكفى بهذه الآيات البينات الكريمات شرحا وتفصيلا عما ورد من قصة قارون الذي أوتي مالا كثيرا ولكنه نسى نعمة الله عليه وظن بالله الظنونا ، وباختصار ورد في موقع الويكي بيديا عن قصة قارون ما يلي:

يحدثنا الله عن كنوز قارون فيخبر سبحانه وتعالى أن مفاتيح الحجرات التي تضم الكنوز، كان يصعب حملها على مجموعة من الرجال الأشداء. ولو عرفنا عن مفاتيح الكنوز هذه الحال، فكيف كانت الكنوز ذاتها؟! لكن قارون بغى على قومه بعد أن آتاه الله الثراء. ولا يذكر القرآن فيم كان البغي، ليدعه مجهولا يشمل شتى الصور. فربما بغى عليهم بظلمهم وغصبهم أرضهم وأشياءهم. وربما بغى عليهم بحرمانهم حقهم في ذلك المال. حق الفقراء في أموال الأغنياء. وربما بغى عليهم بغير هذه الأسباب.

ويبدو أن العقلاء من قومه نصحوه بالقصد والاعتدال، وهو المنهج السليم. فحذروه من الفرح الذي يؤدي بصاحبه إلى نسيان من هو المنعم بهذا المال، ونصحوه بأن يعمل لآخرته بهذا المال ولا يقتصر على نيل الشهوات في الدنيا بل ينفق لآخرته ولا ينسى التمتع في الدنيا بغير إضرار للدين والآخرة. ويذكرونه بأن هذا المال هبة من الله وإحسان، فعليه أن يحسن ويتصدق من هذا المال، حتى يرد الإحسان بالإحسان. وحذروه من الفساد في الأرض، بالبغي، والظلم، والحسد، والبغضاء، وإنفاق المال في غير وجهه، أو إمساكه عما يجب أن يكون فيه. فالله لا يحب المفسدين.

فكان رد قارون جملة واحدة تحمل شتى معاني الفساد (قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي). لقد أنساه غروره مصدر هذه النعمة وحكمتها، وفتنه المال وأعماه الثراء. فلم يستمع قارون لنداء قومه، ولم يشعر بنعمة ربه.

وخرج قارون ذات يوم علی قومه، بكامل زينته، فطارت قلوب بعض القوم، وتمنوا أن لديهم مثل ما أوتي قارون، وأحسوا أنه في نعمة كبيرة. فرد عليهم من سمعهم من أهل العلم والإيمان: ويلكم أيها المخدوعون، احذروا الفتنة، واتقوا الله، واعلموا أن ثواب الله خير من هذه الزينة، وما عند الله خير مما عند قارون.

وعندما تبلغ فتنة الزينة ذروتها، وتتهافت أمامها النفوس وتتهاوى، تتدخل القدرة الإلهية لتضع حدا للفتنة، وترحم الناس الضعاف من إغراءها، وتحطم الغرور والكبرياء، فيجيء العقاب حاسما (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ) هكذا في لمحة خاطفة ابتلعته الأرض وابتلعت داره. وذهب ضعيفا عاجزا، لا ينصره أحد، ولا ينتصر بجاه أو مال.

القصة أعلاه من الوصلة التالية منقولة كما وردت :

https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%82%D8%A7%D8%B1%D9%88%D9%86


والعبر كثيرة والدروس متعددة فالانسان قد تنسيه الفرحة حق الناس فيما آتاه الله، وأن الله هو الرزاق فلا يجب على الانسان ان يغتر بما عنده من النعم وأن يظن أنما أوتي ذلك على علم عنده بل إنها أرزاق مقسمة وامتحان من الله لينظر كيف تفعل. فقارون ما لبث أن فرح بما لديه من الثروات حتى نسي حق الله فيما أتاه من النعم فجعله الله عبرة ودرسا مدى الحياة باق ببقاء القرآن الكريم ، فسبحان مصرف القلوب كيف تنسي كثرة الثروات الحقوق وكيف تتسبب في العلو والغرور والتعالي على الناس ، فيظل الانسان المعدوم يسأل الله أن يؤتيه من فضله وأن يهبه المال والبنون ، وما يلبث بعد أن يفتح الله له أبواب الرزق ما يلبث أن ينسى حق الله فيما أتاه ، فيطغى ويتكبر ويمشي بخيلاء بين الناس ويتباهى عليهم بالملبس والمأكل والمشرب ، فإذا ما حرم وعوقب تذكر وقال يا ليتني قدمت لحياتي!

وقد يسخط الانسان البسيط من قلة المال وقلة الحيلة وهو لا يعلم بأنه محسود من قبل أولئك الذين عوقبوا بزوال النعم عنهم لتقصيرهم وقلة شكرهم ، بل وأن هناك من يتمنى مكانه بعد أن طغى بقوته وجبروته وماله فأزال الله عنه كل ذلك وصار مكروها معدما لا يقوى على شيء ، فأصبح يردد "يا فرحة ما تمت"!

التجربة الثانية: مناصب بلا عقول!!!

إن من أشد البلاء أن يبتلى الانسان بذو منصب متندي الفكر لا ينظر إلا إلى أقصى أنفه ، فمن ابتلي هكذا آفة فهو بلا شك مقبل على أيام حالكة السواد رغم بزوغ الشمس في رائعة النهار ، وهناك حاليا دراسات في كيفية التعامل مع المسؤولين الذين يفتقرون إلى الذكاء والمعرفة وحسن التعامل ، وقد لا تكون المشكلة دائما في المسؤول فرضى الناس غاية لا تدرك ، لذلك فإنه من الضروري معرفة المعايير التي على اثرها يحكم الشخص بأن مسؤوله يعاني من قلة المعرفة ونقص الثقة ، ولقد أوضحت الكاتبة سوزان هيثفيلد في مقال لها بعنوان (سيء حتى النخاع: التعامل مع مسؤول سيء) عدة طرق لتقييم المسؤول ومعرفة مدى ادراكه ووعيه وفهمه ، وذكرت أنه ليس بالضرورة أن يكون المسؤول سيء كما يتصور الموظف ولكن نظرا لوجود عادات سيئة أو تصرفات نفسية معينة في المسؤول تجعل منه سيئا في نظر الموظفين ، ومن بين هذه العادات عدم الثقة في أي شخص آخر وإصراره على متابعة كل صغيرة وكبيرة شخصيا دون تكليف خبراء أو أشخاص آخرين ، كما أن البعض يعاني من نواقص ومشاكل نفسية تدفعه إلى التدقيق الممل لدرجة التدخل في الأمور الشخصية للموظفين ، كل هذه عوامل من شأنها أن تقلل من قيمة المسؤول ومن مستواه مما يجعل الموظفين يظنون بأنه مسؤول سيئ.

ومن بين الطرق التي اقترحتها الكاتبة سوزان هيثفيلد في مقالها لكيفية التعامل مع مثل هؤلاء المسؤولين ما يلي:

 التحدث مع المسؤول ومعرفة ماذا يريد فيما يتعلق بالتوجيهات العملية والدعم مع تجنب ذكر سوء التعامل لكونه لن يغير من الحقيقة شيئا.

 سؤال المدير أو المسؤول عن الأهداف التي يريد الوصول إليها وتحقيقها وما هو دورك في المساعدة للوصول إلى هذه الأهداف المرسومة والمخطط لها.

 أطلب الدعم من مسؤولين آخرين في نفس المؤسسة وشاركهم.

 إذا لم تنجح الطرق أعلاه فعليك عندها أن تتجه إلى مسؤول مسؤولك أو إلى مسؤول الموارد البشرية وشرح المشاكل له وطلب دعمه وتدخله لما فيه صالح المؤسسة.

 إذا طال انتظارك دون استلام رد وذلك نظرا لعدم تصديقك فخذ معك الموظفين الآخرين وقم بزيارة مسؤول مسؤولك ليعرف حجم المشكلة ومدى تأثيرها على الموظفين وليس فقط عليك شخصيا.

 في حالة اعتقادك بأن مشاكلك مع مسؤولك لن تنتهي عندها أطلب نقل إلى قسم آخر.

 وفي حالة عدم وجود شواغر فلتبحث عن وظيفة أخرى في مؤسسة أخرى.


طبعا وجود مجموعة من الحلول لمشاكل العمل يساعد في القضاء أو التقليل من الإحباطات التي قد تواجه الموظف ، والوظيفة في وقتنا الحالي تعد مصدر دخل للكثيرين وعليه فأن حسن اختيار المسؤولين يعد غاية في الأهمية. واذا صح الربط بين معاناة الشخص مع مسؤوله ومعاناة الجار مع جاره في المثل الدارج "الجار قبل الدار"، في هذا المثل دعوة للسؤال عن الجار قبل شراء الدار فكذلك هو الحال في بعض الأحيان يجب السؤال عن المسؤول قبل السؤال عن المؤسسة وحوافزها، وقد يكون هذا سببا وجيها لعزوف البعض عن الاتجاه للعمل في مؤسسات بعينها وإقبالهم على مؤسسات أخرى مع قلة امكانيتها وعطاءاتها.


التجربة الثالثة: المتغطرسون

هذه التجربة قد يمر بها أو يعايشها الكثيرين فهي منتشرة كثيرا في مجتمعاتنا، فكثيرا ما يظهر أشخاص من العدم وكانوا قبل ضعفاء بسطاء وما إن يصلوا إلى غايات معينة أو مناصب رفيعة حتى تراهم يتغطرسون ويتكبرون ويتناسون ما كانوا فيه سابق العمر.

والمدهش أن نرى هذا في أناس طلعوا من أواسط المجتمع وعايشوا البسطاء وشاركوهم لحظات الترح والفرح ، ولكنهم إذا ما فتح الله عليهم باب رحمة وعطاء من عنده تجدهم سرعان ما ينسوا ما كانوا عليه ، فيغدوا الواحد منهم مزهوا مغرورا بماله أو منصبه فينسى أقرب الناس منه في وقت شدته وقمة أزمته.

وقد يجمع المتغطرس شيئا من صفات المتفاخر ويكون عندها قد بلغ ذروة الخبث ويكون غاية في الشر، فتراه يتفاخر بأشياء لا أساس لها من الصحة فتارة يدعي بأنه قد ورث ما لديه من مال أو منصب من عائلته الممتدة في التاريخ فينسب إلى نفسه أمور ما أنزل الله بها من سلطان ، والأدهى من ذلك أنه بعد أن يتفاخر بالأوهام يبدأ في تصديقها مع أنه هو الذي اختلقها منذ البداية وعندها يمكن وصفه بالحماقة ، فقد ينسب إلى نفسه قصصا وبطولات وإنجازات وهمية يبدأ مع مرور الوقت بتصديقها فيعيش في عالم الوهم ويغتر ويتغطرس ، ثم يصل إلى حد كره كل من يفوقه في عالم الواقع سواء بالعلم أو المعرفة أو الجاه، وقد يؤدي هذا الكره إلى قرارات وتصرفات مؤذية وكل ذلك وهما منه واغترارا وتناسيا لماضي تعيس أو كئيب كان يعاني منه في أحد الأزمان، فكأنه يريد أن يدفع البقية ثمن ماضيه أو كأنه يريد أن ينسى ماضيه بسحق كل شيء يذكره به، وهنا تكون الغطرسة النفسية عندما يبدأ بسحق كل من هم أعظم منه، ويقول الدكتور حكمت الحلو في مقاله (الشخصية المتغطرسة) واصفا المتغطرس بقوله:

"أما المتغطرس فهو الذي لا يكتفي بالنظر الى الناس على انهم أقل شأناً منه بل يراهم تافهون لا يساوون شيئاً وبذلك فان الغطرسة اخطر من التكبر من الناحية السلوكية لأن المتغطرس يسعى لإكتساح الاخرين لشعوره الموهوم بضآلتهم وحقارتهم ودونيتهم."

(http://www.baytalmosul.com/1575160415831603157816081585-1581160316051578-15751604158116041608/2)

فلذلك نجد أن المتغطرس يحب أن يكون هو الوحيد الظاهر بين الجميع ويكره أن يتفوق عليه أحد حتى وإن كان الشخص الآخر لا يعني أن يتفوق عليه، كما تراه يقرب منه الأشخاص الذين هم دونه أو الجبناء والمنافقون الذين يقولون له إنك أنت الوحيد المستحق لكل الوهم الذي تعاني منه، وهم مجيدون للنفاق بشكل ممتاز وكلما زاد اتقانهم لفن النفاق كلما زاد قربهم من ذلك المتغطرس.

ومن الصفات التي توجد في المتغطرسين ما يمكن اختصاره على النحو التالي:

 أفكاره دائما صحيحة سواء كانت صح أو خطأ.

 لا يقبل رأي من أي شخص آخر. وإذا ما اقترح عليه شخص رأي سديد يقضي على ذلك الشخص وبعد ذلك ينسب رأيه إلى نفسه.

 إذا تغيب فذلك يعني الدمار لكل شيء فهو مقتنع بأنه هو الوحيد الذي يستطيع أن ينفذ كل شيء وله قدرات خارقة فوق العادة.

 دائم الغضب مع الجميع ويشجع الكل على الغضب بسبب وبدون سبب، لذلك تجد صوته غالبا مبحوح وكأن حباله الصوتية ممزقة من كثرة الصراخ، لذلك ينصح المتغطرسون بشرب عصير عنب طازج على الريق فهو جيد لعلاج بحة الصوت ولمساعدتهم على مواصلة الصريخ.

 أجمل متعة يجدها المتغطرس عند اعطاء الاوامر وعند تنفيذها بدون مناقشة.

 اتباعه من الأشخاص الذين ينفذون الأوامر بدون نقاش ويجيدون النفاق فهو لا يستغني عن هؤلاء الأشخاص حيث يمارس معهم متعته في اعطاء الأوامر لأشخاص كأنهم روبوتات.

 يعشق المدح ويصدقه حتى وإن كان ضربا من ضروب الخيال وبعد فترة يصدقه بنفسه بل ويعاقب كل من يقول خلاف ما مدح به.

طبعا التصرف الوحيد مع المتغطرس هو البعد عنه والبعد لا محالة سيحصل إن عاجلا أو آجلا فصفاته كلها منفرة للأشخاص الاسوياء ، ولا يمكن لشخص بكامل قواه العقلية أن يصاحب ذو الشخصية المتغطرسة حتى وإن كان من أقربائه.

الخاتمة:

التجارب الحياتية مختلفة ومتنوعة باختلاف القبائل والشعوب والعادات والمجتمعات، ولهذه التجارب دور كبير في رفد الكتاب بأفكار وعلوم مختلفة، ومنها تم تأليف العديد من الكتب والروايات، ولذلك فإن حياة الإنسان تعد مدرسة تعليمية مجانية مليئة بالفكر والتقلبات والتجارب والتي بدورها تعين الناس على التعلم وعلى صقل مهاراتهم الحياتية، وعلى الإنسان أن يستغل كل لحظات حياته ويستفيد منها بحلوها ومرها.

المراجع:

Heathfield, Susan., (2017), "Bad to the Bone: Dealing With a Bad Boss", Human Resources, (https://www.thebalance.com/bad-to-the-bone-dealing-with-a-bad-boss-1917714).

الحلو، حكمت ، (2013)، الشخصية المتغطرسة، (http://www.baytalmosul.com/1575160415831603157816081585-1581160316051578-15751604158116041608/2)



  • 1

   نشر في 27 نونبر 2017 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا