يحدث أحيانًا أن تحزن فلا يجد الهواء إلى رئتيك متسعًا، وتشعر وكأنّ ثِقَل العالم قد جئ به ليُوضع على صدرك ويصبح كل شئ باهتًا كلوحة فقدت ألوانها وحينئذٍ تعتقد أنه لم يعد لعينيكَ معنى لأنها أصبحت ترى كل شئ مكللًا بالرمادي فاقد البهجة والروح معًا! .. -للرمادي احتمالات لا تنتهي: رمادي أحمر، رمادي أزرق، رمادي أخضر- هكذا قالها فان جوخ أو أوردها من أحب توثيق ذلك الأسى في رسالته المشهورة.
قد شغفتنا الحياة حُزنًا، وأحالت أرواحَنا إلى حَفنَة مِن الرّماد تتناثر وتتفرق أشتاتاها إثر نفحة صغيرة من الهواء. الهواء الذي من واجبه أن يحيينا يتفنن في إضاعتنا أكثر من اللازم.. الحزن يسلبنا ألواننا الزاهية، القدرة على الحياة، زهو الربيع في أعيننا وماء الزهر من وجوهنا نرى العالم رماديًا.. باهتًا، كلوحةٍ سُلِبت ألوانها..
في الحزن أصبحنا نعشق الوحدة لا لشئ إلا لأننا نعاف العالم الخارجيّ . نُنَقّح الحزن كقصيدةٍ أبدية، حتى إذا أتانا الفرح نتلقاه مُنكسِرًا، مهدومًا على سعته واحتوائه!
أطل من شرفتي الصغيرة على العالم، أراه يتشكل حولي ويواصل المسير بينما أظل كما أنا؛ واجمة أحدّق بأسىً وارتياب.
كل الذين ظننتُ بأني سأجدهم ، تركوني وحيدة، وكل من أخبرني أنه لن يُفلت يداي، أفلتها لأسقط في بئرٍ موحشة يجتمع عليّ بها كل المخاوف التي أحاول جاهدةً دفنها.
أراها تحيط بي من كل الجهات محاولةً تكبيلي وعرقلة حركتي المحدودة، بعضها الآخر تتمثل لي بصورة سِهام تحاول اختراق صدري ولحسن الحظ تمر من ثقب قديم في القلب .
هنا في قلوبنا الصغيرة يتعتق الحزن وتتخثر السعادة حتى أصبحت مستهلكة أكثر من اللازم .. الحزن يعرينا كمرآةٍ أمام أنفسنا ويكشف لنا كم أننا أضعف مما كنا نظن ؛ ومن الحزن نستطيع أن نستشعر أجنحةً خفيّة تمنحنا القدرة على الطيران والسّفر في أعماقنا، يفتح لنا بابًا لنستشّف من خلاله أرواحنا لنتبين كم هي رقيقة ولا تستحق منّا ذلك، بابًا لنرى أنفسنا ونراهم من خلاله و" خوفي للباب يتسكر شي مرة بين الاحباب وتضل تبكيني الليالي الحزينة ..“
خاطرة قديمة منذُ عامين
الصورة: رسمي (أزرق كما يدّعون بأنّه لون الحزن)
آيَات مُحمّد
-
Ayat Mohamedيأسٌ يُضئُ ولايحترِق