"ولا يزال للبيض بقية"
هناك فرق بين فهم العالم بموضوعية -أو على الأقل محاولة ذلك – وبين فهم تجربة كتجربتي مع البيض,كنت قد اعتبرتها تجربة شخصية فريدة من نوعها, فقد كبرت "ولا يزال للبيض بقية"
نشر في 18 غشت 2019 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
عندما لا نجد بدا من كظم الغيظ والرضى بالواقع المرير – مكرهين - تزدهر الفلسفة. حين لا نستطيع تقديم خدمة لانفسنا بسحق عقولنا, سيكون لدينا رخصة في التكهن حول كل شيء من الميتافيزيقا إلى الأخلاق مرورا بعبثيتنا, ان لم تكن عبثية حياتنا... عندها – فقط - نكون قد اصبحنا فلاسفة..!
وهذا يعني أنه يمكننا أن نسلط الضوء على بعض الأسئلة الأساسية عن انماط عيشنا في هذا العالم وغالبا ما نطرح التساؤلات السيئة , والتي هي دوما خارج حدود فهمنا, او هكذا يبدو !!
وجودنا في هذاالعالم غريب جدا, تعجز عن وصفه الكلمات, وعبثيتنا اصبحت امرا بديهيا..في كل مرة – ولو لهنيهة –نتحايل على انفسنا للخروج من هذه البديهية.. نحاول الدخول في حالة عميقة من الوعي , ثم نتذكر ان وعينا يجب ان يكون مقننا, فنعود نركض الى الوراء نحو سباتنا مرة اخرى ..ونسأل أنفسنا: لماذا تحدث كل هذه الأشياء في العالم؟..لماذا نحن دوما ننهزم الى الامام؟..السنا نعيش في هذا العالم مع أشياء كالاجرام السماوية والحيوانات والنباتات .
كنت قد درست الفيزياء.. “لا شيء حول الفيزياء الحديثة يفسر لماذا لدينا هذه القوانين بدلاً من غيرها؟! ..هل يمكن تجنب الخطأ لو تناولنا تلك القوانين بشكل اكثر جدية؟..لماذا علينا ان نبقى مراقبين دوما في داخل هذا العالم؟..تساؤلات تحتوي على هالة من الحشو غير المريح!..نحن دوما نعاني من معضلة اتخاذ القرار، فنحن لانعرف إذا ما كانت هناك سلسلة من الأحداث العفوية تسيطر على أفعالنا (أو بعض المؤثرات الخارجية) أو نحن فعلاً لدينا إرادة محضة في أتخاذ قراراتنا.
إذ كانت أفعالنا تتأثر بسلسلة من العفويات، فإننا بالتأكيد لانملك إرادة حرة، ولكن في حال كان العكس صحيحا – هنا نكون قد لجأنا الى ما يُسمى مراوغة - وبالتالي فان أفعالنا لابد أن تكون عشوائية- وهذا ما يدفع للمجادلة على إنها ليست إرادة حرة.
"تستغرق مناقشة المسائل التافهة وقتاً طويلاً, نسترسل في تفنيدها , وندافع عن ارائنا بها بشراسة, لأننا نعرف عنها اكثر مما نعرف عن المسائل الهامة "
الأمر ليس أقتراحا لذهابنا في نهاية المطاف لعزف القيثارة على جدار القمر ، فقد نجد أنفسنا نجرف الفحم في أعماق الجحيم, فالموتى غائبون, ولا يمكن ان نسألهم عن ارائهم في عبثيتنا واسلوب حياتنا, وبالتالي لا يمكن ان نستفيد من خبراتهم ..نحن لانملك سوى التخمين ..ونحاول طرح سؤال ميتافيزيقي عن احتمالية وجود دور لنا في هذا العالم المتسارع..نحن لا نملك القرار؟!
في طفولتي, كنت دائم الشجار مع احد ابناء حارتنا – كان يكبرني سنا, وكان متسلطا – كانت امي تمتلك قنا للدجاج في بيتنا, كانت تغدق عليه من البيض الشيء الكثير حتى يبتعد عني..كان يتعمد افتعال الشجار معي لياخذ البيض من امي..في كل مرة يعقد صفقة مع امي بان لا يتشاجر معي, وكأني به يعقد هدنة..الى اجل غير مسمى..ثم يعود ليفتعل الشجار معلنا "البيض مقابل وقف الخصام "...كنا بالنسبة له " الدجاجة التي تبيض ذهبا".
هناك فرق بين فهم العالم بموضوعية -أو على الأقل محاولة ذلك – وبين فهم تجربة كتجربتي مع البيض,كنت قد اعتبرتها تجربة شخصية فريدة من نوعها, فقد كبرت "ولا يزال للبيض بقية", ولا يزال الكثير كابن حارتنا يطلبون البيض ولكن بمفهوم اكثر حضارة ورقي كما يدعون, ثم يتساءلون : ما الفرق بين البيض الاحمر والابيض؟! يريدون البيض الاغلى ثمنا..!!فهل نحن قادرون على ملاحظة ما يحيط بنا من خلال عدسات مشاعرنا او تأملات عقولنا؟!..هل بامكاننا ملاحظة العالم من خلال رؤية واعية.
ماهر (باكير)دلاش
-
Dallashوَإِنِّي أَتَجَاهَلُ وَلَسْتُ بِجَاهِلٍ غَضِيضُ الْبَصَرِ وَلَسْتُ أَعْمَى وَإِنِّيْ حَلِيمٌ وَلَسْتُ بِحَالِمٍ حَصِيفُ الْكَلِمِ وَلَسْتُ أَسْمَى مَاهِر بَاكِير
التعليقات
بوركت على جهودك مقال جميل جدا.
رائع ما كتبت من العمق..