تزخر مواقع التواصل الإجتماعي هذه الأيام بحسابات الملحدين واللادينيين الذين يطلقون على أنفسهم "عقلانيون", وهو بالطبع أمر لم نعهده إلا في السنوات القليلة الماضية. بل إنني على معرفة شخصية بمن تحول للادينية, و بالطبع لم أستطع الإكتفاء بمشاهدة هذا الشخص وهو يلقي بنفسه نحو الهاوية, كما يفعل البعض ممن يمتنعون عن مناقشتهم بحجة أنها "حرية شخصية". ناهيك عن أن الكثير منهم يكون "طاير بالعجة" أي أنه غير مدرك تماما لفعلته, وغالبا مايكون مخدوعا من شخص آخر غسل دماغه وأقنعه بكل سهولة بأن يسير معه بنفس الإتجاه. ومع إمكانياتي المتواضعة في النقاشات الدينية بدأت أناقش هذا الشخص عن السبب والحال الذي أدى به التحول للادينية, ولأنني شعرت أثناء نقاشنا أن هذا الشخص قد وصل لمرحلة صعبة تحتاج لتدخل مختص في المناظرات الدينية. لم أبدأ في الحديث عن البديهيات في الدين من عبادات وأوامر ونواهي إلخ.., بل اكتفيت بنصحه بأن يستمر في البحث عن الحق وحتما سوف يصل.
وفيما بعد استنبطت عدة أشياء كانت بعضها سببا فيما آل إليه هذا الشخص. بداية وكما ذكرت سابقا البعض منهم ينخدع بكلام الملحدين واللادينيين, بحيث أنهم يظهرون بمظهر المثقف المفكر الغامض, الشي الذي بدوره يجذب انتباه كثير من الناس وبالأخص المراهقين, مما يؤدي بنهاية المطاف إلى التأثر بأفكارهم واعتناق معتقداتهم. أيضا من بين الأسباب أن الملحد بالتحديد يرى أنه لا وجود للرب لأنه لو وجد لكان عم السلام العالم ولم نكن نسمع بالحروب أو نواجه المصاعب أو نصاب بالأمراض أو نقاسي المجاعات, وكأننا وجدنا لإعمار هذه الأرض التي نجهل مصيرنا فيها ثم مغادرتها هكذا عبثا. فهي الدار التي لم يهنأ بها الأنبياء المصطفين الأخيار فكيف لغيرهم, فلولا الشرور لما سمعنا بالخير, ولولا المنغصات لما شعرنا بلذة الراحة و السعادة. والطامة الكبرى عندما يكون هذا الملحد أو اللاديني مسلم سابقا, فهو من المؤكد أنه يعرف شيئا من القرآن وقد مرت عليه آيات تبرهن على أن الدنيا دار ابتلاء, ومن سره زمن ساءته أزمان ولا يغر بطيب العيش انسان كما قال ابو البقاء الرندي في رثاء الأندلس. كذلك البعض يلحد فقط ليزيح عن كاهله مسؤوليات ومتطلبات الدين, فهذا النوع قد اختصر على نفسه عذاب الضمير المصاحب لفعل شيء منهي عنه, أو التكاسل عن شيء مأمور به, وأوهم نفسه أنها مجرد خرافات تناقلتها الأجيال عبر التاريخ. أيضا الأمر الذي أراه السبب الرئيسي في الإنتشار المخيف لهذه الظاهرة, هو ببساطة تفرق وتشتت أمر المسلمين في الزمن الراهن, فنحن في أوضاع لا تسمح لجذب الناس للإسلام, ومعظم معتنقي الإسلام يكونون قد اهتدوا بعد مشيئة الله بناء على تعرفهم على الدين من مصادر موثوقة, وليس بناء على اعجابهم بحال المسلمين. ولنا خير مثال في قصة مشهورة لأحد المستجدين في الإسلام بعدما تنقل كثيرا بين دول مسلمة, ولكنه فوجئ بعكس ماكان يرجو, فقد شاهد بعدا بين ماعرفه من الدين و الواقع الذي يعيشه أتباع الإسلام في أرضهم, وكان مما قال : ( إننى أحمد الله تعالى على أنني تعرّفت على الإسلام قبل أن أتعرّفَ على المسلمين ، لقد كنت أتوقع أن أجد هنا من يساعدني على ديني ، ولكني وجدت الفرق شاسعاُ بين ما عرفته عن الإسلام وبين واقع المسلمين ) . وحمل رحاله وسافر من حيث جاء. لذلك الملحد أو اللاديني قبل تحوله يرى حالة الضعف والفوضى التي يمر بها المسلمون, فيبدأ بالتشكيك بدينه والتساؤل عن كونه الدين الصحيح أم لا أو بوجود الرب من عدمه. فإما أن يقوده هذا النوع من التساؤل لزيادة في إيمانه وتمسكا بدينه, أو لطريق الإلحاد أو اللادينية عافانا الله وإياكم. فالحقيقة المدمية للقلب أنك تسمع عن الآلاف من الذين يعتنقون الإسلام في مختلف أنحاء العالم, ثم تسمع بالمقابل عن الذين فضلوا الإلحاد واللادينية على الفطرة التي ولدوا بها.
وفي الختام, فإن الأسباب الممهدة لطريق الإلحاد واللادينية كثيرة ومتباينة, ومن الصعب إيجاد حصر لها في مقال واحد. ولأن المسؤولية الكبرى تقع على عاتق علماء الأمة الإسلامية, بات من الضروري تسليط الضوء على هذه المشكلة بشكل أكبر من جهتهم, فللأسف أكثر علماء عصرنا انشغلوا بتوافه الأمور. فبينما ينضم الشباب المسلم للمنظمات الإرهابية من هنا ويلحد آخرون من هناك إلا من رحم ربك, تشاهد علماء المسلمين منشغلون بإصدار فتاوى سطحية لمعالجة قضايا عادية, في حين يغفلون عن القضايا الأهم والأخطر التي إذا ماتم إهمالها وعدم تداركها مبكرا, أصبحت غدا معضلة حقيقية يصعب حلها.
-
سعدية احمدWhat doesn't kill you makes you stronger "Words I believe in"
التعليقات
بالفعلبدأ هذا الموضوع ينتشر
لكن و لله الحمد القليل هم من ينجذبون لمثل هذا الفكر الذي اره غير سوى ( فهناك فرق بين ان يسأل الفرد عن بعض القضايا التى قد تلبس عليها في فهمها وبين شخص لا يؤمن بالقضية كلية ويرى أنها غير موجودة بالمرة ومن ثمةيقع فريسة ليس فقط للشيطان الذي يخلعه من دينه بل لاصحاب اضل عقلية في التفكير
فهناك الكثير من الاشخاص كانوا قبل ذلك على غير ملة مطلقا ، لكن بدأوا يبحث عن الحقيقة وتعمقوا في البحث حتى هداهم الله الي دين الحق . وفي النهاية اختم رأيى في هذا الموضوع بما ذكره الله تعالى في كتابه العزيز في الاية الكريمة (إِنْ تَحْرِصْ عَلَىٰ هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ ۖ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ)
سورة النحل آية رقم ٣٧
لانه وببساطه من ينكر وجود الله احمق لا عقل له اصلا كي يناقش سئل اعرابي عن سبب ايمانه بوجود الله بسهوله وبلا تردد رغم جلافته ومحدودية التفكير التي يتسم بها الاعراب فقال ( الاثر يدل على المسير والبعرة تدل على البعير سماء ذات ابراج وارض ذات فجاج الا يدل هذا على وجود العليم الخبير ) يوجد كذلك مقوله شعبية جميلة ومشهورة عند اهل الحجاز تقول ( الله ماشفناه بالعقل عرفناه) إذا عقلك لم يرشدك الى وجود الله فان ماتحمله في راسك ليس بعقل
مع احترامي لصاحب المقال وقبل كل شيء أؤكد لك اني مسلم لكن من حق الإنسان أن يتساءل وهدا شيء طبيعي كما أنني أريد تصحيح معلومة الإلحاد ليس موضة جديدة بل قديم جدا أغلب العلماء الدين يفتخر بهم المسلمون كانوا ملحدين مثل ابن سينا حيث كان يلقب ب شيخ الملحدين و ابن رشد المعري. ....الخ لدلك يجب محاورة هؤلاء الشباب بدل السخرية منهم والتهجم هده وجهة نظر.
مع احترامي لصاحب المقال وقبل كل شيء أؤكد لك اني مسلم لكن من حق الإنسان أن يتساءل وهدا شيء طبيعي كما أنني أريد تصحيح معلومة الإلحاد ليس موضة جديدة بل قديم جدا أغلب العلماء الدين يفتخر بهم المسلمون كانوا ملحدين مثل ابن سينا حيث كان يلقب ب شيخ الملحدين و ابن رشد المعري. ....الخ لدلك يجب محاورة هؤلاء الشباب بدل السخرية منهم والتهجم هده وجهة نظر.