موشك - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

موشك

  نشر في 26 غشت 2018 .

أدري أن الريح ذرت بعضا من رملي على بيوت الجيران،

وأصوات الحفر والطقطقة أزعجتهم؛

وأنّ كِسر الآجر تبعثر في الشارع، فتأذى الأطفال وسائقو السيارات.

ولكن ما الحل لأتحاشى الإزعاج الذي سببته لجيراني سوى أن أوقف عملية البناء التي ابتدأتها منذ أسابيع؟

ولو أوقفتها، فكيف لي أن أصلح هذا البيت الذي مضى من عمره ما يقارب الثلاثين عامًا؟!

فتراني كل يوم أعتذر لجيراني وأعدهم بأني سأبذل قصارى جهدي لأكف هذا الإزعاج والبعثرة التي سببتها، قريبًا.

وعندما أوشك الشغل على الانتهاء، سألتني جارتي يومًا: هل انتهيت من عملية البناء؟

أجبتها: موشك على الانتهاء.

تجهمت ثم قالت: اسم الله على بيتك، بعيد الشر إن شاء الله.

وتابعت: لا تذكرني بالحرب ثانية!

ثماني سنوات من الخراب والنزوح، أرتنا النجوم في وسط النهار.

خسرنا بيوتنا، أثاثنا المنزلية، جيراننا.

عرفتُ أنها تاهت في وادٍ ثانٍ، لكن خجلي العربي منعني أن أقاطعها، فاستمرت تشرح لي ما عانته من الحرب

طيلة ثماني سنوات فقالت:

عندما اندلعت الحرب شح البنزين؛ هل تتذكر؟

ونزحنا بسيارتنا من المحمرة آملين أن نرجع إليها بعد يومين أو ثلاثة، ولم نأخذ معنا سوى الملابس التي كنا نرتديها؛

وكانت السيارة خالية من الوقود، فما إن حركنا حتى أتت على آخر قطرة بنزين فصرفتها ووقفت.

ولم يكن أمامنا خيار إلا أن نركنها في شارع ونفر بأنفسنا، وكانت لحظتئذ قذائف المدافع تتساقط حوالينا.

وإلى أين نتجه؟!

اتجهنا إلى أقاربنا في قرى الجراحي وسكنا عندهم أسبوعًا كاملا.

ثم خبأت خصلاتها تحت (المقنعة) وتابعت تقص خواطرها المرة:

وللضيف كما تعلم ثلاثة أيام لا أكثر.

وبصراحة ضقنا وضاق أقاربنا منا، كرهنا أنفسنا، صممنا أن نرجع إلى بيتنا، لكنّ الحرب قد اندلعت نيرانها وأحرقت الأخضر واليابس.

نظرتْ إلى معصميها وتابعت قائلة:

بعت أساوري واستأجرنا دارًا، واشترينا بعض الأثاث، وكأننا رضينا بالواقع وصرنا نستعد لحياة جديدة ملؤها حرمان وقهر وضيم.

ثم نظرت نحوي وتابعت قائلة:

تصور، كنا جميعًا نسكن في حجرة واحدة: أنا وزوجي وعمي وعمتي والأطفال.

لا أراك الله تلك الأيام السود.

قلت وأنا أنظر نحو الأطفال الذين يقفزون من فوق الرمل فيساعدون الريح في بعثرته:

لقد رأيتـُها كما رأيتِها.

وكأنها لم تسمعني فأردفت قائلة:

اليوم أتألم مما يعانيه النازحون السوريون، وبما حل بهم من دمار بل يبكيني.

ويؤذيني ما يحدث للعراقيين، وما يحدث في لبنان وفلسطين واليمن.

والمصيبة الكبرى ...

لم أقصد مقاطعتها لكنها نوت أن تدخل في بحر السياسة الخداعة، فقلت مكملا جملتها:

والمصيبة الكبرى يا أم عليرضا، إن تلك الحرب اللئيمة خسّرتكم لغتكم العربية الجميلة،

فأصبحتم لا تجيدونها كما يجيدها العرب.

لأنني لم أكن أعني بالـ (موشك) الصاروخ، بل ما عنيته هو أنني اقتربتُ من نهاية العمل.

موشك على الانتهاء، أي أنني اقتربت من نهاية العمل. وسأريحكم من الأذى الذي سببته لكم.

ضحكت طويلا، وما دريت هل كانت تضحك مني أو من لغتي الجميلة؟!

- - -

المقنعة: حجاب الرأس.

موشك بالفارسية: الصاروخ بالعربية.

سعيد مقدم أبو شروق - الأهواز



  • سعيد مقدم أبو شروق
    سعيد مقدم أبو شروق مدرس فرع رياضيات أسكن في الأهواز أحب القراءة والكتابة، نشر لي كتاب قصص قصيرة جدا.
   نشر في 26 غشت 2018 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا