عدوي الحروب .. - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

عدوي الحروب ..

  نشر في 05 يونيو 2017 .

أظن أنه عندما يذكر المؤرخون عصرنا الحالى فلن يجدوا سوى الجمود و التمسك بالألفاظ والحروف سمة لهذا العصر ناهيك عن الانغلاق وتوارى المغزى أو المعنى المراد عن الأنظار ، ثم تلك الحروب والنزاعات الضارية التى تأكل فى نسيج وطننا العربى ألم يكن من ضمن أسبابها الرئيسية التصلّب الفكرى وتخلّى كلا الطرفين عن تحكيم عقلهما بل وأكثر من هذا فتذهب عقول المتصارعين إلى تحليل الكلمات والنصوص وإختلاق المشكلات وتقويض ما شيّده السلام ، بل وصل الأمر لأبعد من تلك الحياة السياسية وأبعد من قضايا الرأى العام فى بلادنا حيث سيطر على حياتنا الإجتماعية فنمى فى أوساطها حتى إخترق تلك الجدران الأربعة ووصل الى أسرنا وعائلاتنا فأصبحت المشكلات الاجتماعية تسد الأفق بل وتأتى لتغلق علينا أبواب السماء متكفلة بمصيرنا المحتوم ومستقبلنا الذى لا شك أنه سيسوء أكثر فأكثر طالما ساد الظلام عالمنا ..

فلنرجع قليلاً فى الزمن للوراء حتى يتسنى لنا معرفة أثر ذلك الجمود الفكرى الرهيب على معتنقيه وسادته ، وخصيصاً فى تلك الفترة التى تلت المسيح حيث ظهر " أوريجين " وهو فيلسوف ملحوظ المكانة فى تاريخ الفلسفة والديانة المسيحية ، ويرى الكثيرون أنه أكبر المفكرين الدينيين الذين نبغوا بين القرن الثانى والقرن الثالث للميلاد ، ومن لم يره كذلك فلا خلاف عنده فى حسبانه بين ثلاثة أو أربعة من كبار المفكرين فى عصره ، غير مستثنى منهم أساتذتهم الأولون ، هذا الرجل قرأ فى شبابه قول السيد المسيح أن أناساً يخصيهم الله وأناساً يخصيهم الناس وأناساً يخصون أنفسهم فى سبيل الله ، فحمله على معناه الحرفى وجب نفسه ليقدم بعد ذلك على تعليم النساء وهو آمن ، ولكنه أدرك خطأه بعد ذلك وعَدِل عن هذا الفهم الحرفى لأقوال السيد المسيح (*) ..

إلا أن ثبوت هذه الرواية فى سيرة رجل من أعلام زمانه يُبطل العجب من روايات كثيرة بقيت بين أخبار الدعوة المسيحية فى عصرها الأول ، فقد كان الرجل يفقأ عينيه إذا علم أنها نظرت إلى إمرأة نظرة إشتهاء ، وكان يمسخ جسده مسخاً إذا راودته الشهوات ، حتى ليتساقط منه الدود فاذا كان شاب فى ذكاء أوريجين وقوة فطنته يفهم العظات المسيحية على هذا الوجه ، فلا عجب أن يشيع هذا الفهم بين طائفة من البسطاء الذين لا يبلغون مبلغه فى الفطنة والدراية ، لكن " أوريجين " نفسه قد عدل عن خطئه بعد زمن كما أسلفنا ، وسبقه وجاء بعده أناس من طبقته أيقنوا أن السيد المسيح قصد المعانى ولم يقصد الحروف حين أوصى بكف الأعضاء عن نزغات الجسد ، فلم يعن بفقء العين إلا ما نعنيه بقطع اللسان حيث نريد به السكوت أو الإسكات ، ولم يعنِ بقمع الجسد إلا ما نعنيه بقمع الرياضة والتربية (*) ..

فقد بُنيت رسالة المسيح على شريعة الحب كما وصفها العقاد فى كتابه " عبقرية المسيح " ويقوم أساس تلك الشريعة على الأخذ بتعاليم المسيح وأقاويله بفهم معانيها الظاهرية منها والباطنية وفهم مغزى الجمل بدون تحليل إستقصائى للنصوص وتأويل للكلمات والحروف أقرب للتطرف والبعد عن تعاليم السيد المسيح ..

نعم ، أنا أستدرج عقلك أيها القارىء أو أستميله إن جاز التعبير للعدول عن الجمود الفكرى فلا مناص من مشاكله إذا وقعت ، بل هى أقرب إلى دعوة أحسبها حسنة النية لفتح طاولة الحوار من جديد بين شعوب العالم العربى وخاصة فى مصر وسوريا ..

المصادر :

(*) : كتاب " عبقرية المسيح للعقاد "


  • 1

  • Omar Atef
    طالب هندسة لكني أعشق الكتابة من صغري
   نشر في 05 يونيو 2017 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا