فى مطلع شهر آب كان علي أن أؤدي الكثير من المهام التى تخص الدراسة كتقديم المدينة والانتهاء من ملف التجنيد والتصوير وخلافه من مستلزمات الأوراق الحكومية وبالطبع تأخرت حتى آخر أيام التقديم كعادتي .. ولكن دعني أحدثكم عن التسويف فقد لازمنى منذ الصغر .. وكنت كثيرا ما أنزعج بشأن تأخيري هذا حتى حدث موقف منذ ثلاث سنوات جعلنى أتصالح مع نفسي بل أرضي بالتسويف وأتخذه منهجا في حياتي.
كان لدي امتحان كيمياء وكان وقته مفتوحا طوال اليوم .. وبالطبع كعادتى متأخر دائما .. جئت قبل انتهاء الموعد المحدد بساعة .. كانت ضربات قلبي متسارعة وكنت سأعتمد على الإعتذار كوسيلة للعفو عن تأخير هذا .. حتى قال لى أحدهم وهو رجل فى الأربعينيات من عمره يرتدي نظارة سوداء .. قال لى بصوت يملؤه الحكمة "أن تصل متأخرة خير من ألا تصل" .. وقعت تلك الكلمات فى قلبي وسكنت بداخله - لما يقرب من الثلاث سنوات الأخيرة - فكما أنها وافقت هواي فى التأخير فهي جعلتنى أتصالح عليه .. فلا مزيد من لوم النفس أو تأنيب الضمير .. فكانت كالخنجر في جسد ضميري أماته وارتحت أنا.
انتهجت تلك السياسة حتى وقت كتابة هذه الكلمات .. مررت بالكثير من المواقف التى تحتاج إلى الإسراع والتسارع ولكن لا بأس فسواء وصلت باكرا أم وصلت قبل إسدال الستار .. المهم أنى وصلت في النهاية.
وطبعا ضاعت علي الكثير من الإنجازات بسبب التسويف والتأجيل لآخر اللحظات .. سواء كانت تلك الإنجازات دراسية بسبب تسويف تأخيري فى إتمام مذاكرة المادة كاملة .. فكان دائما هناك جزء لم تتم مذاكرته .. كما ضيع علي الحصول على تقدير الإمتياز الذي طالما رغبت به .. ولكن كعادة من يتبع سياسة ليس المهم التبكير المهم هو الوصول .. فكنت أذاكر الأجزاء الباقية فى الأجازات الصيفية.
أجلت البدء فى نشر المقالات خشية الفشل وخلافه .. ولكن لا يهم لقد كنت متأكدا من أنه ذات يوم سيخط قلمي شيئا ما .. المهم أننى بدأت فعلا فى الكتابة حينما تخليت عن خوف الانتقاد .. ولم يكن الأمر بهذا السوء.
والآن أكتب هذه الكلمات بعد أن أدركت قصر العمر وأنه يمر سريعا كلمح البصر .. لقد مرت السنوات العشرين الأولى من حياتى وأن انتظر الوصول .. أسعي ولكن ببطئ كلفنى الفوز بالكثير من الإنجازات .. جعلني هذا صفرا وفي أفضل الأحوال كسرا يسعي لأن يكون واحد صحيح .. أدركت أن علي السعي ولكن مع المسارعة فبدونها لن أتمكن من اللحاق بركب الناجحين.
كان خطئي فى أنى آمنت بفلسفة خاطئة وانتهجتها أسلوبا لحياتى خدرت بها ضميري .. وتركت الفلسفة الربانية "إنهم كانوا يسارعون فى الخيرات" "وسارعوا إلى مغفرة من ربكم" "أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون" .. فالأمر جاء بالمسارعة للخير .. بالمبادرة وأن تكون أول الواصلين .. بالتبكير لا بالتسويف .. فاسعوا وسارعوا لعلكم تفلحون.
-
يوسف فليفلأكتب في كل ما يخص الجانب الإنساني والنفسي كمحاولة لفهم أفضل لعاولمنا الداخلية.