نحن الآن في 2042، أنا سيدة عربية ، كبرت في بلد عربي درست و تخرجت وأصبحت استاذة في الصف الإبتدائي. لم يعد برنامج التاريخ و اللغة كالذي درسته أنا و جيلي حين كنا في الصفوف الاولى. لكني أتقيد به في إلقاء الدروس.
و في أحد الايام و بينما أنا أدرس حصة الجغرافيا طلبت من تلاميذي تحديد البلدان التي تطل على البحر الأبيض المتوسط على الخريطة.
-لؤي تفضل.
-الجزائر تونس و ….
-كذلك ؟ نعم يا لينا ؟
-ليبيا ، المغرب ، إيطاليا ، إسبانيا، فرنسا
-جيد جدا شكرا لك. رياض هل يمكنك المواصلة؟
لاحظت أن رياض يجد صعوبة في تحديد البلدان فقررت مساعدته لنكمل الباقي.
-هذه مصر يا رياض وهنا سوريا و لبنان و هذه فلسطين.
و فجأة سمعت صوتا يهمس : "فلسطين … بلاد الحرب"
توقفت لحظة و نظرت بحزم للتلاميذ ، بيني و بين نفسي أدركت أن هؤلاء الابرياء لا يدركون الحقيقة كاملة ، هم يكررون فقط ما تمليه عليهم تقارير موجهة و برامج مسطرة و حملات ممنهجة لطمس القضية. حز في نفسي أن يكبر أبناءنا بهذه الخلفية ، فقررت أن أوقف درس الجغرافيا لأستبدله بدرس في القومية.
كيف لي أن أشرح قضية معقدة ، يستصعب الكبار فهمها لأطفال لا تتجاوز أعمارهم عشر سنوات على الأكثر؟ من حقكم أن تعرفوا و من واجبي أن أشرح لكم و أنير عقولكم حتى لا ينتهز الآخرون الفرصة لاستغبائكم سأفعلها ، إكراما للقضية و نصرة للحق.
-أعزائي ، ماذا تعرفون عن فلسطين؟
عم الصمت في القسم و أجاب ثلاثة تلاميذ دفعة واحدة : غزة … الحرب.
-هل تعلمون لماذا هناك حرب في فلسطين؟ سأوضح لكم بتمثيلية صغيرة بيني و بين زميلكم رياض. تعال يا رياض ، خذ أدواتك و قف هنا على المسطبة. زميلكم رياض يمثل فلسطين ، شاهدوا ماذا سأفعل، دفعت رياض بقوة و أبعدته عن المسطبة و نزعت منه أدواته و هممت بطرده خارج القسم فطلب مني أن يأخذ معطفه و محفظته، لكني رفضت و قلت له أن زملاؤه لهم الحق في أن يتصرفوا في أدواته كما يشاؤون.فغضب و كلما أراد استرجاع مكانه منعته بقوة.
كان الجميع ينظرون إلي مندهشين من هول الموقف و بينما حاول أحد زملائه الدفاع عنه هددته بأنه سيلقى نفس مصير رياض. حين لاحظت ذهولهم طلبت من رياض الجلوس و استرسلت في الشرح.
-زميلكم رياض يمثل فلسطينيا في وطنه ، و أدواته التي نزعتها منه هي أملاكه و أرضه و مكانه في القسم هو وطنه ، هو بلده هو فلسطين . أما أنا فأمثل كيانا صهيونيا غاصبا ظالما لا مكان له في هذه البلد ، استعمرها بالقوة وأخذ يهدد كل من دافع عن الحق و أراد استرجاعه.
نعم يا صغاري بكل بساطة فلسطين بلاد عربية جميلة جدا و أرض مقدسة خصوصا لدى المسلمين فهي مسرى رسول الله صلى الله عليه و سلم. و تحولت هذه البلاد من مركزية للثقافات والحضارات إلى قضية مغلوبة للأسف.
فبعد احتلالها من الكيان الصهيوني بمساعدة دول الغرب ، طرد شعبها و قتل و هجر وأخرج من أرضه مكرها ليستولي الصهاينة على أراضي و بيوت و ممتلكات لا ناقة لهم فيها و لا جمل ، ليؤسسوا لأنفسهم بلدا سموها إسرائيل. لا وجود لها على الخريطة و لا وجود لها في التاريخ ولن يكون لها وجود ما دمنا نؤمن بقضيتنا الأولى و الأولى فلسطين.
فلسطين يا صغاري تضم صفد و عكا و حيفا و غزة و القدس و رام الله و طولكرم ، و مدن أخرى تنبض حضارة و أصالة. لا تصدقوا الحدود التي تشاهدونها على الخرائط اليوم ، جل الخرائط صنعها من ينكر التاريخ ليضع للظالم نصيبا فيها.معظمهم يتناسون القضية و لا يدركون أن شجر الزيتون و البرتقال فيها أقدم من تواجد هذا الكيان الغاصب.
لكن خابوا و خابت مساعيهم، فلسطين ليست بلد حرب هي وطن للحرية لكنها تقاوم و تصمد و تبقى رغم كيد العدى ، تفدى بأرواحنا و دمائنا ، رايتها ترافقنا سنسترجعها بإيماننا و إعلائنا لصوت الحق و بنور بصيرتنا و دفاعنا عن الحرية.
والآن نعود لدرس الجغرافيا ، مصر تطل على البحر الأبيض المتوسط و لبنان و سوريا و ، وكذلك فلسطين …